اخر الاخبار

بانتظار رونالدو.. العشرات يتوافدون لملعب المدينة لحجز بطاقات مباراة الشرطة والنصر

توافدت أعداد كبيرة من الجماهير الرياضية العراقية، اليوم السبت،...

طقس العراق.. انخفاض درجات الحرارة بدءاً من الغد ومحافظات تودع الـ40 مئوية

توقعت هيئة الأنواء الجوية، اليوم السبت، انخفاضاً بدرجات الحرارة...

مقتل 4 قياديين لداعش.. الجيش الأمريكي يكشف تفاصيل جديدة عن “وثبة الأسود” في الأنبار

تقويضاً لقدرات تنظيم داعش الإرهابي على التخطيط والتنظيم وتنفيذ...

“المال مقابل البقاء”.. الصيهود: السوداني منع اقتصاديات الأحزاب فتحولوا ضده

قال الأمين العام لتجمع أجيال النائب محمد الصيهود، إن...

بسبب “إرباك الرحلات”.. إعفاء مدير عام الخطوط الجوية من منصبه

أعلن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء، إعفاء المدير العام لشركة...

ذات صلة

الزراعة في العراق.. إصلاح جذورِ الشجرة عبر تشذيب أوراقها

شارك على مواقع التواصل

عامر الطيّب

يمكنُ ببساطةٍ تعريف الفلاح العراقي بأنه ذلك الكائن الصبور على حر الشمس و تقلب الأسعار وجفاف الماء بالإضافة إلى أزمة الكهرباء الأخيرة وبالطبع فانّ الدولة – مع عدم وجود جدية كبيرة في إنعاش هذا القطاع- حتى الآن تنظر له كمواطنٍ أميٍّ مغلوبٍ لا كقوةٍ مساهمة في خلق التوازن الاقتصادي.

ترتبطُ صورة الفلاح حتى في السينما و الأدب بالحقل و المحراث و شروق الشمس فحسب، إذ تختزل تلك الصورة نشاطاً عميقاً في بناء الدولة و تأسيس الثقافة البشرية و إرساء دعائم أي حضارة.

العراق بلدٌ زراعي بامتياز فالناس يزرعون الأشجار حتى في بيوتهم بل يكاد لا يخلو بيت عراقي من حديقة إذ تبدو الزراعة كما لو أنها ممارسة فطرية ونلاحظُ فطريتها في ألعاب الأطفال لا سيما في الريف حيث يغرسون العيدان على ضفاف الأنهار الصغيرة بالصيغة التي تبدو كما لو أنها أشجار حية.

عرف العراقيون الزراعةَ مع فجر أولى الحضارات في العراق القديم ولعلّ الطبيعة ساهمت في إيقاظ ذهنية العراقي الأول نحو هذا النشاط حتى استغل ارتفاع مناسيب نهر الفرات قياساً إلى نهر دجلة فشقّ أنهاراً عظيمة من الفرات إلى دجلة لتروي أراض واسعة وكان هذا الفعل التأسيسي حدثٌ هام يؤرخ به الكتبةُ الرسميون للدولة الأحداثَ التي تليه وحتى عهد قريب كان الفلاحون العراقيون يتعرفون على تواريخ أولادهم بدقة مع تأريخ الجفاف أو الفيضان أو شق الأنهر أو انهمار المطر في علاقة توضح بشكلٍ جلي علاقةَ ولادة العراقي بغرس أي نبتة أو إروائها.

الكتاب القدامى و من ضمنهم المؤرخ اليوناني هيرودوتس تحدثوا عن وفرة المحاصيل الزراعية في العراق الأول  وهو الأمر الذي سيعرف به العراق دائماً جتى تتم تسميته ببلاد السواد.

يعرّفُ ابن خلدون الزراعةَ بصناعة الفلاحة و قد يشتمل هذا التعريف على صناعة الأرض و صناعة الفلاح فقد كانت الزراعة هي الركيزة الاقتصادية الأهم في بناء الدولة العباسية وكان العراق بلا شك أحد أهم روافد هذا القطاع لخصوبة أرضه و وفرة مياهه.

لكن التسمية لم تصمد طويلاً – وأعني تسمية بلاد السواد- إذ ستفقد دلالتها اقتصادياً بعد اعتبار العراق بلداً نفطياً ثم تتغير دلالاتها واقعاً بعد عقودٍ طويلة من الحرب و الموت و الرماد.

سيرة الفلاح العراقي المعاصر

يحتفظُ العراقيون بصورة أثيرة لبلادهم، ،صورة البلد الزراعي، فهم يجدون أنهم أكثر أمانا بالاعتماد على هذا القطاع مع تخوفٍ مشروعٍ من انهيار سطوة النفط وتراجع أسعاره.

قد يتخذُ القطاع الزراعي حيويته من هذا الجانب حتى مع كونه لا يشكل إل 5.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي فهو يشغل ٢٨ بالمئة من إجمالي القوة العاملة في الاقتصاد العراقي حسب الإحصائيات الأخيرة.

ومع هذا فإن تراجع القطاع الزراعي و التصحر والجفاف وهجرة الفلاحين أمور بات الجميع يتحدث عنها وعن مدى خطورتها دون أن تكون هناك حلول جادة حتى وصلت مساحة الأراضي الزراعية المستغلة في العراق 18 مليون دونم من أصل 32 مليون دونم، أي أن ما يقارب النصف من الأراضي الزراعية لم يعد يستغل وهذه كارثة كبرى.

يواجه الفلاح العراقي اليوم مشاكلَ عديدة تدفعه لترك النشاط مما يسبب انحسار الزراعة في البلد ،مشاكل يتمُّ للحديث عنها بشكل موسع مثل ضعف منسوب مياه الري و الفساد الإداري الذي تترتب عليه عشوائية في معاملات دعم الفلاح بالأسمدة و المبيدات و عشوائية في شراء محاصيله.

إن استيراد الخضراوات والفواكه هو الأخير يسهم في هبوط أسعار المنتجات العراقية وخسارة المزارعين العراقيين  بل أن استغلال الأراضي الزراعية كاملة تسبب بعدم تغطية المنتجات الزراعية لحاجات السوق العراقي.

ظروف مثل هذه جعلت الفلاح العراقي يزرعُ أقل مما يملكُ من مساحة زراعية بل لعله يضطر أحياناً لزراعة دونم واحد من بين ١٠ دوانم يملكها لأجل سد الرمق فقط وهي الظروف التي دفعت بعض الفلاحين للهجرة نحو المدن و البحث عن أي وظيفة براتب متدنٍ أو العمل في مجالات اخرى مثل الأسواق الغذائية أو أعمال البناء أو سيارات الأجرة وقد حولَ بعض المزارعين بساتينهم إلى قطع سكنية أو أحواض سمكية أو حقول لتربية الأغنام و الأبقار.

إن ذلك التدني في القطاع الزراعي هو يؤدي إلى تهديد الأمن الغذائي في البلد بالإضافة إلى المخاطر التي تكلفنا خسارة البيئة الصحية و المبهجة نتيجة ضياع المساحات الخضراء في صورة تبدو قاسية لعراقٍ قادم يكسوه الغبار ويتلف ألوان أشجاره.

المشكلةُ زراعيةٌ والحلُ سياسيٌّ أيضاً

لعلَّ الموقع الجغرافي من أهم المظاهر الطبيعية المؤثرة في الحياة الاقتصادية و مسارات تنميتها والموقع الجغرافي هو موقع المكان بالنسبة لخطوط الطول والعرض و يحددُ العراق بين خطي طول ( ٥٨-٤٨)شرقاً وخطي عرض (٦ -٢٩ )جنوباً و(٥- ٣٧ )شمالاً ومن سمات هذا الموقع اختلاف سقوط كميات الأمطار من الشمال إلى الجنوب و اختلاف درجات الحرارة أيضاً.

تلك الحقائق يعرفها العراقيون على اختلافِ مستوى وعيهم لكنهم لا يتلمسون جدواها فهم يدركون أنهم يعيشون على أرض صالحة لأن تكون البلد الزراعي الأهم في المنطقة ومع ذلك فإن كل ذلك الإحساس يتراجع خائباً مع أن تتجه نحو القرى فتصادفك الأراضي المهملة و الأنهار الجافة و عودة أبناء الأرياف من المدن بعد نهار طويل في العمل لدى إحدى الشركات حتى غدا من السائد أن تلاحظَ كيف يقوم المزارعون بشراء الخضراوات والفواكه المستوردة بمرارة لتصل إلى نتيجةٍ صادمة وهي أن الأرض لم تعد تكفي لإمداد العراقيين بالطعام وهو ما يؤكده مسؤولون يرفضون الكشف عن أسمائهم أحياناً  من أن هناك تراجعا حادا في حجم المساحات المزروعة بالمحاصيل الموسمية وخاصة القمح والشعير خلال الأعوام الأخيرة بفعل أزمة الجفاف المتواصلة في البلاد، والتي تفاقمت مع شح الأمطار خلال فصول الشتاء.

التراجع الحاد الذي سيؤدي بدوره إلى ارتفاع في الصادرات وخاصة من تركيا وإيران ودول آسيوية أخرى، بما سينعكس سلباً على القدرة الشرائية للمواطن الذي كان يستفيد من فارق السعر في البضائع الزراعية المسوقة من خلال الفلاحين.

تراجع الإنتاج النباتي يعني تراجع الإنتاج الحيواني بالطبع و الصورة الواضحة أن العراق يواجه إخفاقاً زراعياً لعله الأشد على مرور تاريخه ولا نبالغ لو قلنا أن الحلول الحكومية حلول سطحية ولا تمس جوهر المشكلة فضلا عن أن الإخفاقات لا تتم دراستها بغرض معالجتها من قبل الجهات المختصة.

يقودنا ذلك إلى تبني رأيٍ يعوّل على توفر الإرادة السياسية  القادرة على وضع الحلول العلمية لهذا الإخفاق المؤثر في حيوية الأرض.

مشاكلٌ عالقة أو متراكمة مثل كميات الماء بعد مشروع الكاب الذي باشرت به الحكومات التركية المتعاقبة وبنت أكثر من ٢٢ سداً على منابع نهري الفرات و دجلة مما قلل المساحات المزروعة في العراق إلى النصف ومشكلة الملوحة التي يفقدُ العراقُ بسببها سنوياً عشرين ألف دونم في الوسط و الجنوب و مشاكل أخرى بعضها يبدو بدائياً مثل طرق الري وفوضوية المدونة القانونية التشريعية الزراعية حيث ما يزال أكثر من ٤٠ نضا قانونياً نافذاً من خمسينيات القرن الماضي القوانين التي واضحة في أي قطاع عراقي حكومي وضياع مفهوم الدولة أو تشظيه بين التقسيمات الحزبية والمذهبية و العرقية الضيقة.

نخلصُ إلى أن السؤال عن أحوال الفلاح العراقي هو سؤال سياسي لأن ما نتفاءل به مسبقاً هو مجرد إصلاحات تنظيمية أو ترقيعية لا تمسُّ جذور الكارثة التي نتخوف منها وما دمنا نتحدث عن الزراعة فلا يمكننا إصلاح جذور الشجرة التالفة عبر تشذيب الأوراق أو تلوينها فقط.