شهدت الساحة السورية تطورات لافتة تمثلت في تحول خطاب أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام، من تبني المواقف الشرعية الصارمة إلى خطاب أكثر براغماتية يرتكز على الدولة ومؤسساتها، ويبدأه بحل الفصائل المسلحة التي عارضت نظام الأسد، حتى أسقطته خلال ١٤ عاماً.
منذ تأسيس الهيئة، كان خطاب الجولاني يستند إلى مفاهيم الشرعية الإسلامية التي شكلت القاعدة الأساسية لاستقطاب أنصاره وبسط سلطته على الأرض. لكن في الآونة الأخيرة، بدأ يظهر تغيير جذري في هذا الخطاب، حيث ألقى بثقله على أهمية الدولة ومؤسساتها، محاولًا تقديم نفسه كضامن للاستقرار في شمال سوريا.
هذا التحول لم يكن مجرد تغيير في الكلمات، بل انعكس على سياسات الهيئة، بدءًا من محاولاتها الحثيثة للظهور كطرف معتدل قادر على التواصل مع القوى الإقليمية والدولية، إلى حملات العلاقات العامة التي تهدف إلى إعادة صياغة صورتها.
الفصائل المسلحة: الهدف التالي
ضمن هذا السياق، وجّه الجولاني دعوة مباشرة للفصائل المسلحة الصغيرة في المنطقة لإعادة النظر في وجودها. الرسالة كانت واضحة: “حلوا أنفسكم وانضموا إلى مشروع الدولة”.
هذا الإعلان لم يأتِ في سياق حوار مفتوح، بل ضمن إطار ضغوط عسكرية وسياسية مارستها الهيئة لفرض رؤيتها على بقية الأطراف.
ومع ذلك، يبدو أن هذه الدعوة تجد صدى لدى بعض الفصائل التي تعاني من ضعف التمويل وقلة الموارد، بينما تواجه معارضة شرسة من أخرى ترى في هذه الخطوة محاولة لإضعاف التنوع العسكري لصالح مركزية الهيئة.
المبررات والتحديات
الجولاني يبرر تحوله بأن الوضع الحالي يتطلب قيادة موحدة قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. وفي خطابه الأخير، ركز على أن بقاء الفصائل المسلحة خارج إطار الدولة يضعف من قدرة المنطقة على الصمود أمام التهديدات المتزايدة.
لكن هذا التوجه يواجه تحديات كبيرة، أهمها؛ المصداقية، والمعارضة الداخلية، وردود الفعل الدولية، التي قد تفتح الباب أمام المجتمع الدولي للتعامل مع سلطة الشرع، لكنه في الوقت نفسه، قد يجد معارضة إقليمية، تتبناها دول تحيط بسوريا، وتريد الحفاظ على فصيل مسلّح.
الأيام القادمة ستكشف عن مدى قدرة هيئة تحرير الشام على تحقيق هذا التحول الجريء، وعن حجم التغيرات التي ستطرأ على خريطة القوى في شمال سوريا. لكن المؤكد أن هذه الخطوة تضع المنطقة أمام مفترق طرق جديد، قد يكون له تأثيرات بعيدة المدى على المشهد السوري بأكمله.