ما زال العراقيون ينظرون إلى نفطهم الذي تحتضنه الأراضي الشمالية، وهو “يُهرّب” إلى تركيا، وأعينهم تترقّب إمكانية سيطرة بغداد على الملف.
“مساومة تركية واستفادة كردستانية”
قبل أكثر من عام، أصدرت محكمة التحكيم الدولية قراراً بإيقاف تصدير نفط العراق عبر ميناء جيهان التركي، بعد دعوى تقدّمت بها الحكومة المركزية، وكسبت قرارها “منتصرةً” دون أن تظفرَ بنتائج الانتصار، حتى تحوّل إلى “خسارة” بسبب مساومة أنقرة لبغداد.
تضمّن قرار المحكمة أيضاً، “إلزام تركيا بدفع ١.٥ مليار دولار إلى العراق، بسبب اتفاقها مع إقليم كردستان الذي صدّر نفطه دون أن يُسلّم الإيرادات إلى بغداد”.
تفاصيل ما يحصل
هذا القرار، جعل تركيا “تمتنع” عن الموافقة على استئناف تصدير النفط عبر مينائها، ليستغل الإقليم الحادثة ويقوم بـ “تهريب” النفط العراقي إلى تركيا ويكسب عائداته، دون أن تُضاف إلى خزينة العراق، حسب ما يروي اقتصاديون ونوابٌ عراقيون.
ويقول المحلل الاقتصادي، عمر الحلبوسي، في حديثه لـ “إيشان”، إن “العراق تكبّد خسائر كبيرة جراء توقف تصدير نفط كردستان العراق عبر خط ميناء جيهان التركي منذ 25 مارس 2023”.
وأوضح، أن “حجم الصادرات اليومي يبلغ (480 ألف برميل)”، مشيراً إلى أن “التوقف جاء بعد دعوة تقدم بها العراق الى محكمة التحكيم الدولي في باريس بسبب تصدير كردستان للنفط عبر الاتفاق مع تركيا دون تسليمه الى وزارة النفط الاتحادية لتسوقه عبر شركة سومو المسوق الحصري للنفط العراقي”.
العراق يخسر ١٢ مليار دولار
وكانت حكومة كردستان العراق تصدر النفط دون أن تسلم عوائده الى الحكومة الاتحادية، وبالقياس خلال مدة عام، تكبد العراق خسائر تصل إلى (12 مليار دولار) وهو ما كان أحد الاسباب التي أدت الى تراجع واردات النفط العراقية لعام 2023، بالقياس مع العام 2022 بنسبة (19%)، حسب ما يفصّل الحلبوسي، خسائر العراق، ويقول، إن “نفط كردستان يشكّل (0,5%) من إجمالي امدادات النفط العالمي”.
وأوضح، أن “سبب التوقف هو أن محكمة التحكيم الدولي في باريس أصدرت حكماً على خلفية دعوة تقدم بها العراق، فأصدرت المحكمة قراراً بفرض غرامة مالية على تركيا قدرها (1,5 مليار دولار)، تدفع للحكومة العراقية، وإلزام كردستان تسليم النفط ليصدر عبر شرطة سومو المسوق الحصري للنفط العراقي”.
“وعلى اثر هذا الحكم تفاقمت مشكلة تصدير نفط كردستان عبر خط جيهان التركي”، يقول الحلبوسي الذي يكمل، أن “تركيا ترفض استئناف تصدير نفط كردستان عبر جيهان إلا بعد تنازل العراق عن الغرامة المالية، وكذلك تطالب العراق ببيع النفط الى تركيا دون السعر العالمي، وهو ما ترفضه الحكومة العراقية مما أدى الى استمرار توقف تصدير نفط كردستان عبر جيهان التركي حتى اللحظة”.
“حل المشكلة”
وعن إمكانية الحلول المتوفرة للموضوع، يرى الحلبوسي أن هذا الأمر “يتطلب أن تجتمع الأطراف الثلاثة تركيا والعراق وكردستان، والاتفاق على حل الموضوع بالشكل الذي يضمن عودة تدفق نفط كردستان عبر جيهان التركي وحل النقاط الخلافية فيما بينهم”.
ويشير إلى أن “تفاقم الصراعات بين حكومتي المركز والإقليم، أفضى إلى عدم التوصل للحل”، مبيناً أن “حكومة كردستان مستفادة من توقف التصدير لكنها بنفس الوقت تهرب النفط عبر الشاحنات إلى تركيا وإيران بشكل كبير يوميا، والخسائر الكبيرة تتحملها الموازنة الاتحادية”.
ويكمل قائلاً: “لكن مع دعم واشنطن لاستئناف تصدير نفط كردستان كونها مستفادة منه، اتوقع أن يحل الموضوع قريباً ويعاود التصدير في حال رعت واشنطن الحل لهذه الأزمة”.
“دعوة من بغداد”
واليوم الثلاثاء، دعت وزارة النفط الاتحادية، عبر بيان ورد لـ “إيشان”: “وزارة الثروات الطبيعية في الإقليم والشركات العالمية المشغلة للحقول الواقعة في الإقليم لعقد اجتماع في بغداد بأسرع وقت”.
وأضافت، أن الاجتماع يُعقَد “لغرض التباحث وتداول الموضوع والتوصل إلىٰ اتفاق لتسريع إعادة الإنتاج واستئناف تصدير النفط المنتج عبر ميناء جيهان التركي وحسب الكميات المثبتة في قانون الموازنة”.
وكانت بداية الأزمة بين بغداد وأربيل قد بدأت عام 2014 حين سمحت تركيا لإقليم كردستان بتصدير النفط بشكل مستقل عن وزارة النفط الاتحادية، حيث تم ربط خط الأنابيب الكردي بخط أنابيب النفط العراقي-التركي، قبل أن يقضي حكم غرفة التجارة الدولية بباريس لصالح العراق وإدانة تركيا في استخدام الخط داخل الأراضي التركية من دون موافقة الحكومة العراقية.
“مشكلةٌ أُخرى”
عضو مجلس النواب سوران عمر، أكد أن “المفاوضات متوقفة حاليا حول موضوع اعادة تصدير النفط من كردستان عبر تركيا”.
وقال عمر في تصريح صحفي، إن “الشركات الاجنبية في اقليم كردستان تطالب باستحقاقاتهم من استخراج النفط، اذ ان حكومة الاقليم لم ترسل آلية معينة لوزارة النفط لإعادة صياغة التعاقد مع الشركات او التوصل لاتفاقات جديدة”.
ويضيف أن “الشركات الاجنبية المتعاقدة مع الإقليم هم طرف رئيسي في هذا التأخير، وحكومة الاقليم لم تكشف حتى للحكومة الاتحادية عن تفاصيل هذه التعاقدات”.
وتابع، ان “المسألة الاخرى التي تعيق عودة خط التصدير انه لم يتم التوصل لاتفاقات حول كلفة استخراج برميل النفط”. منوها على، ان “الشركات الاجنبية تطلب مبلغ أكثر من 26 دولارا لاستخراج البرميل الواحد وهذا مكلف جداً فالمخصص بالموازنة هو مبلغ 6 دولارات فقط للبرميل”.
وتبقى الأسواق العالمية “تنتظر” أكثر من نصف مليون برميل من النفط يومياً، بعد أن فقدتها بسبب توقف تصدير نفط العراق عبر ميناء جيهان التركي، الذي قالت عنه أنقرة في وقت سابق، إنه “يواجه مشكلات فنية”.