يواجه العراق أزمة مالية مرتقبة في موازنة 2025 في ظل انخفاض أسعار النفط، الذي يعتبر المصدر الرئيسي لإيرادات البلاد، الأمر الذي يضع البلاد أمام خيارين أما تعديل العقود مع الشركات النفطية المتعاقدة مع الإقليم أو تعديل قانون الموازنة، لكن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أقر بأن “الشركات النفطية المتعاقدة مع الإقليم رفضت تعديل عقود كلف إنتاج النفط”.
ويعتمد العراق، ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، بشكل كبير على عائدات النفط.
واعتمدت الحكومة العراقية في الميزانية سعرا للنفط 70 دولارا للبرميل في عام 2024، أي أقل بنحو 6 دولارات من متوسط السعر المرجح هذا العام.
وبحسب السوداني فإن “قانون الموازنة ثبت كلف معدل الإنتاج بـ 8 دولارات للبرميل، في حين ان كلف معدل إنتاج النفط المثبتة مع عقود الشركات في الإقليم بلغت 26 دولاراً”، وذلك في مقابلة مع قناة بلومبيرغ الأمريكية.
ورفع العراق ميزانيته في عام 2024 حتى بعد حجم إنفاق قياسي في عام 2023 عندما تم تعيين أكثر من نصف مليون موظف جديد في القطاع العام المتخم بالفعل وبدأت عملية تحديث للبنية التحتية على مستوى البلاد تتطلب أموالا ضخمة.
وفي هذا الصدد رأى الخبير النفطي حمزة الجواهري، لمنصة “إيشان”، أن “تعديل العقود النفطية يشكل معضلة كبيرة بالنسبة للحكومة، ويصعب تقديم مقترحات في هذا المجال نظرًا للدعم القوي الذي تتلقاه الشركات من الإقليم ودولها المساندة”.
وقال الجواهري، إن “الشركات تعمل على تشكيل لوبي دعم من قبل بعض السيناتورات الأمريكيين، مما يجعل من الصعب على الدولة الضغط لتعديل هذه العقود”.
“هذا الهبوط يفرض علينا التوجه نحو مراجعة الموازنة بشكل جدي”
وأشار إلى أن “تحويل العقود إلى عقود خدمة يتطلب وجود تفاهمات بين الحكومة والإقليم، ومن ثم يجب أن تعمل الحكومة على إيجاد وسيلة للتفاوض حول تعديل الوضع القائم”، مبينا: “مع هبوط أسعار النفط، أصبح تعديل الموازنة أمرًا ضروريًا، وهذا الهبوط يفرض علينا التوجه نحو مراجعة الموازنة بشكل جدي”.
وأوضح الجواهري أن “الشركات النفطية في كردستان تحتاج إلى التعامل مع الوضع من خلال إدارة الإقليم نفسها. على الرغم من أن الكميات التي تهربها الشركات إلى السوق السوداء لا تؤثر بشكل مباشر على العراق، إلا أنها تمثل خسارة كبيرة للبلاد”.
وأردف أن “أوبك بلس قد طالبت العراق بخفض الإنتاج بواقع 200 ألف برميل يوميًا، حيث تعتبر الكميات المنتجة محسوبة على العراق. وأكد أن ادعاء أوبك بلس بأن المشكلة عراقية بحتة وليس لها علاقة بالتحالف، يعكس تعقيدات الوضع الحالي”.
“الخيارات المتاحة”
فيما قال الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، إن “التعديلات على العقود التي تتضمن شروطًا جزائية ليست ممكنة حاليًا، حيث أعلن الإقليم منذ سنوات رفضه لتعديل هذه العقود نظرًا لوجود التزامات وشروط جزائية مرتبطة بها”، وذلك في تصريح لمنصة “إيشان”.
وأوضح المشهداني أن “عقود جولات التراخيص كانت قد حُددت بعمر 25 سنة، مع إمكانية التمديد لمدة 5 سنوات إضافية. في تلك الفترة، كان وزير النفط السابق حسين الشهرستاني قد وضع سقفًا لإنتاج النفط يبلغ 12 مليون برميل يوميًا، وهو ما أصبح لاحقًا غير قابل للتحقيق. لذلك اضطرت وزارة النفط إلى تعديل العقد وتمديده 5 سنوات إضافية، ليصبح مجموع مدة العقد 30 سنة، مع إمكانية التمديد 5 سنوات أخرى”.
وأشار المشهداني إلى أن “أي تعديل في هذه العقود يجب أن يتم باتفاق بين الأطراف المعنية، حيث تسعى الشركات النفطية دائمًا لتحقيق مكاسبها الخاصة”.
وأكد أن “العقود الحالية تمتد حتى عام 2040، وقد بدأت من عام 2010، وهي قابلة للتعديل ضمن الشروط المتفق عليها”.
“الخيارات المتاحة الآن تشمل تقنين الموازنة العامة وتطلب ذلك تحسين الإيرادات وتقليص النفقات”
وأضاف، المشهداني أن “الخيارات المتاحة الآن تشمل تقنين الموازنة العامة، التي تتضمن شقين: الجانب التشغيلي والاستثماري. يتطلب ذلك تحسين الإيرادات وتقليص النفقات، مع التركيز بشكل أكبر على تأثير ذلك على الموظفين وشبكة الحماية الاجتماعية، التي تشكل عبئًا كبيرًا على الموازنة العامة”.
واختتم قائلاً: “تفادي الأزمة المالية المتوقعة يتطلب وقتًا، وهذه ليست الأزمة الأولى التي تواجهها البلاد. فقد شهدنا في السنوات السابقة أزمات مشابهة لم يتم حلها بطرق ملموسة”.
“الرواتب مقدسة في العراق”
“ستصرف الحكومة الرواتب حتى لو كلفها ذلك كل شيء”
وفي وقت سابق حذر مظهر صالح المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي من أن البلاد قد تواجه أزمة بالموازنة في عام 2025 بسبب انخفاض أسعار النفط، الذي يعتبر المصدر الرئيسي لإيرادات البلاد.
وأضاف صالح أن صرف الرواتب ومعاشات التقاعد في مواعيدها لا يزال على رأس الأولويات. وتكلف الرواتب ومعاشات التقاعد 90 تريليون دينار (69 مليار دولار)، أي أكثر من 40% من الموازنة، وهي عامل رئيسي للاستقرار الاجتماعي في العراق.
وقال “ستصرف الحكومة الرواتب حتى لو كلفها ذلك كل شيء، الرواتب مقدسة في العراق”.