مع دخول العراق في ذروة مفاوضات إنهاء الوجود العسكري للتحالف الدولي في العراق، تعرضت قاعدة عين الأسد التي تتمركز فيها القوات الأمريكية لقصف جديد، يحدث ذلك بينما تتصاعد التصريحات السياسية التي تطالب الفصائل المسلحة بضرورة منح الحكومة الوقت الكافي للتوصل إلى نتائج نهائية يعلن من خلالها الموعد الأخير لخروج القوات الأمريكية.
ويوم الخميس الماضي، أفادت “رويترز” نقلا عن مصدرين أمنيين بأن أربعة صواريخ من طراز كاتيوشا أُطلقت في وقت متأخر من الليل، على قاعدة عين الأسد الجوية في العراق التي تتمركز فيها قوات تحالف تقوده الولايات المتحدة.
وذكر المصدران أن “صاروخين سقطا داخل القاعدة، بينما سقط الاثنان الآخران في محيطها”، مضيفان، أنه “لم يتضح هل أسفرت الصواريخ عن سقوط قتلى أو جرحى أو خلفت أضرارا”.
ورجحت مصادر سياسية أن الهجوم جاء بمثابة رسالة رفض “من طرف الفصائل المسلحة، للحوار العسكري الذي أجراه العراق من الولايات المتحدة بخصوص تعاون ثنائي طويل الأمد.
يقول الخبير بالمجال الأمني والعسكري، علاء نشوع، لـ”إيشان”، إن “قضية استهداف القواعد العسكرية التابعة للتحالف الدولي داخل العراق، ومنها قاعدة عين الأسد، تخضع إلى متغيرات الوضع الإقليمي والدولي، أكثر مما تخضع للمعادلات الداخلية، لأن أكثر العمليات والفعاليات التي تقوم بها الفصائل تخضع إلى الصراعات غير المباشرة ما بين امريكا وايران”.
ولفت نشوع إلى أن “امريكا لن ولم تغادر العراق اطلاقاً، لان العراق يمثل لها منطقة حيوية وستراتيجية وبموجبها تسيطر على كل الشرق الأوسط بشكل عام والمنطقة العربية بشكل خاص، وتتحكم بكل قواعد الاشتباك فيها ضمن الستراتيجية الأمريكية المعروفة والمعلومة، وهي حماية أمن الكيان الإسرائيلي اولا وحماية مصادر الطاقة ثانيا”.
وأضاف أن “كل الصراعات التي تجري في العراق، وما تفعله الفصائل المسلحة لا يؤثر على القرارات الستراتيجية الأمريكية المتعلقة بوضعها في الشرق الأوسط والمنطقة العربية”.
وقال الخبير الأمني إن “كل ما ينتج من خلال المفاوضات بين اللجان الأمنية والسياسية العراقية ونظيراتها الأمريكية وكل ما يخرج من الاجتماعات التي تعقد بين الطرفين، هي نتائج متفق عليها مسبقاً، ومسميات جديدة تكمل كل الاتفاقيات التي عقدتها الحكومات السابقة”.
وقبل أيام تحدثت صحيفة “نيزافيسيمايا” الروسية في تقرير لها عن إجراء بغداد مفاوضات مع واشنطن حول مستقبل الوحدة الأمريكية في العراق.
وقالت الصحيفة، في تقريرها إن “السلطات العراقية تسعى إلى أن يبدأ التحالف الأجنبي سحب قواته في أيلول المقبل بينما يصر البنتاغون على الاحتفاظ ببعض المستشارين كجزء من المهمة الاستشارية”.
وذكرت الصحيفة أن “المفاوضات بين واشنطن وبغداد جرت في العاصمة الأمريكية في إطار اللجنة العسكرية العليا المشكلة بقرار من قيادة البلدين، من أجل مناقشة مستقبل الوحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، توجّه ممثلو وزارة الدفاع العراقية وهياكل مكافحة الإرهاب وكذلك قادة البيشمركة – القوات شبه العسكرية المسؤولة عن أمن منطقة الحكم الذاتي في كردستان العراق – إلى الولايات المتحدة”.
ويوجد في الوقت الراهن حوالي 2.5 ألف جندي أمريكي في العراق على رأس تحالف أجنبي تم تشكيله في سنة 2014 لإضعاف إمكانات تنظيم داعش، وفقاً للصحيفة.
وقد أعلنت إدارة الرئيس جوزيف بايدن انتهاء المهمة القتالية في العراق سنة 2021 وأشارت إلى عزمها تغيير شكل الوجود الأمريكي للتركيز على إعداد قوات الأمن المحلية وتقديم المشورة لها وتدريبها وتبادل المعلومات الاستخبارية.
وتحتل الوحدة الأمريكية حاليًا ثلاثة مواقع منشأة عسكرية في بغداد وقاعدة في محافظة الأنبار وأخرى في كردستان العراق.
وذكرت الصحيفة أن مدى تقييم مركز بغداد لقوته في الحرب ضد تنظيم داعش يظل موضع تساؤل.
وفي منتصف هذا الشهر، أفادت القيادة المركزية الأمريكية بأنه في الأشهر الخمسة والستة الأولى من هذه السنة، ضاعف داعش تقريبًا عدد الهجمات في سوريا والعراق مقارنة بسنة 2023.
ووفقا للبنتاغون، في الفترة الفاصلة بين كانون الثاني/ يناير وحزيران/يونيو، نفذ أعضاء تنظيم داعش 153 هجوما في كلا البلدين، وهو ما يقول الجيش إنه يشير إلى نية التنظيم “التعافي من سنوات من تراجع قدراته”.
وللمرة الأولى منذ سنة 2017، حدثت زيادة في الهجمات في سوريا في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة وفي المناطق الخاضعة لمسؤولية القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة.
وحسب خبير المجلس الروسي للشؤون الدولية، أنطون مرداسوف: “يحاول البرلمان العراقي ممارسة ضغوط إضافية على الحكومة، لأن المفاوضات بشأن الوجود الأمريكي في العراق تجري في إطار اللجنة العسكرية العليا، التي يرأسها رئيس الوزراء محمد السوداني”.
وبشكل عام، فإن السوداني، على الرغم من العلاقات الوثيقة التي تجمعه مع إيران، يتفهم جميع نقاط الضعف.
وعلى الرغم من أن اللجنة تناقش جدولاً زمنياً لانسحاب قوات التحالف، إلا أن الأمر في الواقع يتعلق بتقييم مستمر للوضع الأمني والحفاظ على اتفاقية الإطار الاستراتيجي لسنة 2008 بين العراق والولايات المتحدة وتعميق التدابير الأمنية الثنائية، ولا يتعلق بمناقشة جدول زمني لانسحاب قوات التحالف”.
وحسب مرداسوف، تختلف الآراء بشأن مسألة انسحاب القوات الأمريكية، حتى بين القوات التي يفترض أنها موالية لإيران داخل البرلمان العراقي
. وتابع مرداسوف: “إنهم يدركون جيدًا أنه مع جلاء القوات المسلحة الأمريكية، قد يتزايد النشاط الإسرائيلي، ناهيك عن نشاط تنظيم داعش، الذي يواصل القيام بعمليات قتالية بشكل دائم”.
ومع ذلك، حظي مشروع القانون الخاص بوضع القوات المسلحة الأمريكية في العراق بتأييد 100 نائب فقط من أصل 329، على الرغم من أن السياسيين الأكراد والسنة يتجاهلون تقليديًا مثل هذه الاجتماعات.
وذكر مدراسوف أنه “ليس من قبيل الصدفة التركيز على موضوع انسحاب 2.5 ألف أمريكي باعتبار هذا مظهرا من مظاهر التضامن المفترض لوحدات كتائب حزب الله وغيرها مع قطاع غزة.. لقد انتهكوا الهدنة التي تم الحفاظ عليها بشكل أو بآخر في سنة 2023 وبدأوا مهاجمة أهداف أمريكية بقوة”.
وأورد مرداسوف:” تدرك إيران وفصائل المقاومة أن الأمر لا يتعلق باحترام سيادة العراق بل بمحاولة انتزاع منصة الولايات المتحدة لتزويد قواتها في سوريا. في حال كانت العلاقة بين العراق وسوريا بالنسبة للولايات المتحدة مهمة لا فقط للسيطرة على الوضع مع تنظيم داعش و”الجسر الشيعي”، فقد تغير الوضع مع الحرب في غزة.
من جهته يقول، النائب عن لجنة الامن والدفاع النيابية، علي البنداوي، إن ” كل فصائل الحشد الشعبي والقوى السياسية هي قوى تخضغ للقائد العام للقوات المسلحة في قضية التفاوض مع الأمريكيان والتحالف الدولي من اجل أإنهاء تواجدهم “.
وبين، أن ” جميع القوى ملتزمين بالتفويض وهنالك لجنة امنية عليا مشتركة وقادة امنين عراقيين اخرين من أجل استمرار المفاوضات وهنالك اتفاق سياسي لدعم الحكومة بهذا الاتجاه وحتى المقاومة أوقفت جميع الهجمات لإعطاء فسحة ومجال للحكومة للتفاوض بهذا الشأن”.
وتابع، أن ” بطبيعة الحال كل الفصائل ملتزمة بدعم الحكومة باتجاه إنجاح المفاوضات لكي لا تعطي ذريعة لبقاء قوات الأجنبية في العراق”.