بعد أكثر من 10 أشهر على شغور كرسي رئاسة البرلمان، على خلفية إقصاء محمد الحلبوسي من عضوية مجلس النواب بقرار من المحكمة الاتحادية، حسمت توافقات الطاولة “السنية – الإطارية” ما تأخر طوال المدة الماضية.
يوم درامي، لم ينته بجولة أولى، حيث لم تحسم أصوات الاتفاقات السياسية، منح مطرقة رئاسة البرلمان إلى محمود المشهداني، او سالم العيساوي، ما دفع صقور الإطار وزعماء السنة إلى التواجد في مجلس النواب، لحسم الملف الشائك والمعقد.
وهو ما تحقق فعلاً في جولة ثانية، وبعد جولة معقدة من المفاوضات والمبحاثات، حضرها زعيم تحالف نبني هادي العامري، ورئيس حزب تقدم محمد الحلبوسي في مكتب النائب الأول محسن المندلاوي.
وحصد المشهداني على 182 صوتاً في الجولة الثانية، مقابل 34 فقط للعيساوي، الأمر الذي منح مطرقة رئاسة البرلمان، لمن تركه سابقاً مستقيلاً من مجلس النواب.
وفي وقت سابق من اليوم، أكد نائب رئيس الوزراء الأسبق، بهاء الأعرجي، ما نشرته منصة “إيشان” عن تنازل حزب تقدم عن اللكمة التي تعرض لها هيبت الحلبوسي، مقابل انتخاب مرشحهم محمود المشهداني، رئيساً لمجلس النواب.
الأعرجي نشر تغريدة تابعتها “إيشان”، أن “صفقة سياسية جَمعت تحالفين، قضى بغض النظر عن (بوكس) قد تلقاه احد النواب في الجلسة السابقة في مقابل التصويت على مرشح احد التحالفين لرئاسة المجلس، بمعنى ان (قيمة كرسي الرئاسة بـ بوكس واحد)”.
قبل ذلك، وردت معلومات لمنصة “إيشان”، تتحدث عن تنازلات قدمها حزب تقدم برئاسة محمد الحلبوسي، مقابل تمرير مرشحهم محمود المشهداني أمام سالم العيساوي.
مصادر خاصة تحدثت لـ “إيشان”، إن “الكتل السياسية، عقدت صفقة، تضمنت غض النظر عن اللكمة التي تلقاها هيبت الحلبوسي في الجلسة الأولى من قبل مثنى السامرائي، في شهر أيار الماضي”.
وأضافت المصادر، أن “حزب تقدم تنازل أيضاً عن مطلب إقالة النائب الثاني لرئيس البرلمان، شاخوان عبد الله، بعد مشكلات سياسية”.
وتشير المصادر إلى أن “هذه التنازلات التي تقدم بها حزب الحلبوسي، تأتي مقابل تمرير مرشحه محمود المشهداني على حساب سالم العيساوي الذي ينافسه على كرسي الرئاسة”.
في غضون ذلك، أكدت عضو مجلس النواب، حنان الفتلاوي، أن رؤساء الكتل نصبوا “سيطرات” إلى نوابهم، للتأكد من أي مرشح تم انتخابه.
وقالت الفتلاوي لبرنامج “المقاربة” الذي يقدمه الزميل سامر جواد، وتابعته “إيشان”، إن “رؤساء الكتل نصبوا سيطرات داخل البرلمان، للتأكد من النواب بأنهم انتخبوا محمود المشهداني، بعد أن يظهروا صورة الانتخاب في الموبايل”.
وأضافت، أن “السيطرة هي التي أسهمت بمرور المشهداني، في الجولة الثانية من الانتخاب، ولولا هذه الطريقة لما تم انتخابه رئيساً لمجلس النواب”.
وبحسب الدستور العراقي، فإن الفوز بمنصب رئيس البرلمان يحتاج إلى تصويت الأغلبية المطلقة (النصف زائد واحداً) من أعضاء البرلمان العراقي البالغ عددهم 329 نائباً.
وفرضت النتيجة الأولى على البرلمان الذهاب إلى جولة ثانية، صوّت فيها 269 نائباً، وانتهت بفوز المشهداني بـ182 صوتاً، وبمنصب رئيس البرلمان.
وأفادت مصادر، بأن الاتحاد الوطني الكردستاني عارض في البداية انتخاب المشهداني، إلا أن الأخير أجرى مشاورات مع نواب الحزب في البرلمان قبل ساعات من انعقاد جلسة انتخابه.
وقبل الجلسة بساعات، دعا المشهداني الكتل السياسية إلى دعم ترشيحه لإنهاء أزمة استغرقت وقتاً طويلاً، في حين دعا منافسه سالم العيساوي النواب إلى المحافظة على العملية الديمقراطية من خلال رفض فرض الإرادات على مواقفهم السياسية.
وفشل النواب مراراً في انتخاب رئيس للبرلمان، في ظل انقسام سياسي حاد بين القوى السنية، ومحاولات القوى الشيعية فرض مرشح سني دون غيره.
وعاد محمود المشهداني، الطبيب ذو الخلفية الإسلامية، إلى الواجهة بعد مرور نحو 16 عاماً على إقالته من منصب رئيس البرلمان العراقي. وُلد الرجل ببغداد عام 1948، وأكمل دراسته الابتدائية والثانوية فيها، ثم التحق بكلية الطب عام 1966 وحصل فيها على شهادة البكالوريوس، ثم تخرج برتبة ملازم أول طبيب عام 1972، ليعمل طبيباً في الجيش العراقي.
ومع أن عودة المشهداني ارتبطت أول مرة برئاسته للدورة الأخيرة، عام 2021، كونه أكبر الأعضاء سناً قبل انتخاب محمد الحلبوسي لدورة ثانية، لكنه عاد اليوم إلى المنصب مدعوماً من زعيم مسنّ مثله هو نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق، بعد تنافس حاد داخل القوى السنية.
وفي 2022، تعرض المشهداني حين كان يرأس جلسة بصفته العضو الأكبر إلى «اعتداء»، أُخرج على إثره من الجلسة وتوجه إلى المستشفى.
ولم يتبق من جيل المشهداني في البرلمان سواه، بعد أنْ كان يُصنّف واحداً من جيل الآباء المؤسسين لنظام ما بعد 2003، كما أنه يعد نفسه من كبار المكون السني الذين ابتعدوا أو أُبعدوا عن العملية السياسية، من أمثال طارق الهاشمي، خلف العليان، صالح المطلك، رافع العيساوي، إياد السامرائي.
وقبل أن يجد نفسه على توافق تام مع المالكي، كان المشهداني شديد الانتقاد للقيادات الشيعية طوال سنوات عمله السياسي، لا سيما خلال توليه رئاسة البرلمان عام 2006، وعندما كانت مساعي المصالحة الوطنية تخفق أمام غليان العنف الطائفي الذي اجتاح البلاد في تلك الفترة، اضطر المشهداني إلى الاستقالة عام 2008، وكانت أقرب إلى الإقالة.
ومع تكرار ما بدا أنه تقلبات المشهداني وآراؤه المثيرة حتى خلال جلسات البرلمان التي كثيراً ما يحوّلها إلى نوع من السخرية حتى على النواب، لكنه وبعد الإزاحة الجيلية للآباء المؤسسين، فقد حصل انسجام مفاجئ بينه وبين المالكي عندما تولى محمد شياع السوداني رئاسة الحكومة.
وبعد إقالة الحلبوسي من رئاسة البرلمان أواخر 2023، بقرار من المحكمة الاتحادية، توجّهت القوى السياسية التقليدية للبحث عن بديل جديد، وطرح اسم المخضرم محمود المشهداني، ضمن صفقة معقدة شملت توافقاً نادراً بين المالكي والحلبوسي.
ومنذ تنحية الحلبوسي عن منصبه بقرار من المحكمة الاتحادية، تولّى نائبه الأول محسن المندلاوي رئاسة المجلس مؤقتا وأدار جميع جلسات البرلمان التي شهدت تصويتا على قوانين عدّة.
ويعدّ منصب رئيس البرلمان من حصة العرب السنة وفقا للعرف السياسي الدارج منذ تشكيل النظام السياسي العراقي بعد عام 2003، في حين يذهب منصبا رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية للشيعة والأكراد بالترتيب.
ومنذ صدور قرار قضائي بتنحية الحلبوسي، اشتعل الخلاف بين القوى السنية لاختيار بديله، فيما تتمسّك القوى الأخرى بشروطها التي تضعها على البديل دون ضغوط، كون المنصبين الآخرين محسومين، الأمر الذي يضع سياسيي المكون السني تحت الضغط.
وبعد أيام من شغور المنصب، شهدت العملية السياسية، لا سيما أطراف المكون السني انقساماً كبيراً بشأن انتخاب رئيس البرلمان على أثر إعلان تحالف السيادة بزعامة خميس الخنجر وتحالف العزم بزعامة مثنى السامرائي تمسكهما بترشيح محمود المشهداني للمنصب، مقابل إصرار حزب تقدم الذي على فتح باب الترشيح مجدداً لتقديم أحد نوابه للمنصب.
وكان البرلمان قد أخفق خمس مرات تباعاً في حسم الملف، إثر الانقسام بين الأطراف السياسية في دعم أحد المرشحين للمنصب، وهما المشهداني والعيساوي.
وشهدت الجلسة الأخيرة لانتخاب رئيس البرلمان، التي عقدت في نهاية أيار الماضي، عراكاً بالأيدي، وأصيب أحد النواب بجرح في رأسه جراء مشاجرة بين نائبين ينتمي كل واحد منهما إلى حزب يُنافس الآخر للظفر بالمنصب، فضلاً عن شتائم وسباب بين نواب ورئيس البرلمان بالنيابة آنذاك محسن المندلاوي، الأمر الذي أفضى إلى تدخل قوات الأمن لفض الشجار، ومغادرة معظم النواب ورؤساء الكتل السياسية قاعة البرلمان.