لم تكن تعلم ولاية الفقيه، بأنها سوف تُخدَع مما تصفه بـ “الشيطان الأكبر” المتمثل بأمريكا، إذ وعدها قادة الأخيرة مع أوروبيين، بأن وقف إطلاق النار سيتحقق، إذا تنازلت طهران عن الرد على اغتيال ضيّفها، الذي لم يتحقق ثأره إلى اليوم.
في نهاية تموز عام 2024، وبينما كان رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية في طهران، لحضور مراسم تنصيب مسعود بزشكيان رئيساً إيرانياً، قتل الكيان الصهيوني، هنية، وجعل العالم يترقب رداً إيرانياً موسّعاً ما يشعل حرباً في المنطقة، لكن ما حصل، خالف التوقعات.
“تهديد أوقفه الخداع”
إيران هددت مراراً وتكراراً، بأنها ستنفذ “رداً مناسباً” في الوقت والمكان الذي تختاره، ورغم مرور نحو ثلاثة أشهر، لم ينطلق صاروخٌ من إيران، صوب الكيان الصهيوني، ليكشف بزشكيان، ما كان مستوراً، حين أعلن “ضمنياً” تعرضهم للخداع من قبل أمريكا وأوروبا.
كانت إيران تخطط لرد مزلزل، وفق ما صرّحت به، ولكن، بينما تضع عينها على نتائج مفاوضات لوقف إطلاق النار في غزة، شنّت طائرات الكيان الصهيوني غاراتها على الضاحية الجنوبية لبيروت، واغتالت سيد المقاومة، حسن نصر الله، ومعه قيادات كبرى في حزب الله.
ونقلت الوكالة الفرنسية للأنباء، عن الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان قوله، إن “وعود قادة أمريكا وأوروبا بوقف إطلاق النار مقابل عدم ردنا على قتل هنية كانت محض أكاذيب”، هذا التصريح يكشف خداع “الشيطان الأكبر” لولاية الفقيه، التي طالما أكدت على عدم الوثوق به وبحلفائه في جميع الملفات السياسيّة والإقليمية.
“إيران تقع بالفخ”
“ما حدث هو فخٌ وقعت به إيران”، هذا ما يراه الباحث في الشأن السياسي من واشنطن، علاء الخطيب، وهو يؤكد أن “الدبلوماسية الإيرانية خرجت من دورها المتأني إلى دور انفعالي، حيث أصبح صانع السجادة المتأني مندفعًا حسب ما يطرحه الآخرون”.
وقال الخطيب في حديث لـ “إيشان”، إن “ما قاله الرئيس الإيراني قد عبر عنه المحللون السياسيون بأنه خديعة وقعت فيها إيران بسبب الوعود الأمريكية والأوروبية، والتي زعمت أن الحرب في غزة ستقف”.
وأضاف أن “إيران لم تفهم دور نتنياهو، الذي يسعى لاستمرار الحرب وجر إيران والولايات المتحدة إلى حرب شاملة، وهذا ما لا ترغب فيه إيران ولا الولايات المتحدة”، معتبراً أن “إيران وقعت في فخ الوعود، مما أدى إلى تأخر الرد على اغتيال هنية”.
وأوضح أن “تصريحات الرئيس الإيراني بعدم وجود مشكلة مع الولايات المتحدة كانت تهدف إلى إرسال رسائل للسياسيين الأمريكيين”، مؤكدًا أن “هناك تأثيرًا كبيرًا على النهج المختلف عن الحرس الثوري الإيراني، وحتى عن نهج الولي الفقيه”.
وبين، أن “هذا الفخ يمثل درسًا كبيرًا في الدبلوماسية، ولا أفهم لماذا أقدمت إيران على هذه الخطوة، خاصة بعد تعرض أحد دبلوماسييها للاغتيال في دمشق الشهر الماضي”.
وأكد أن “تصريحات الحكومة الإيرانية تعكس فشلًا كبيرًا عندما تعلن عن عمليات نصب واحتيال وكذب تعرضت لها من الولايات المتحدة وأوروبا”.
نكث العهود غير جديد!
ومن إيران، يقول سعيد شاوردى، وهو محلل سياسي إن “الولايات المتحدة تنكث عهودها ولا تلتزم بالاتفاقات”، مستشهدًا بالتجربة المريرة مع الأمريكيين، خاصة فيما يتعلق بالاتفاق النووي الذي تم توقيعه في عام 2015، حيث انسحبت الولايات المتحدة منه في عام 2018 دون أن تأخذ بنود الاتفاق بعين الاعتبار”.
وفيما يتعلق بالرد على اغتيال إسماعيل هنية، أشار شاوردى خلال حديثه لـ “إيشان”، إلى أن “جميع القادة السياسيين والعسكريين أكدوا أن الرد قادم ولا يمكن لإيران أن تتنازل عنه”.
ولفت إلى أن “البيان القوي الذي أصدره قائد الثورة الإسلامية، آية الله خامنئي، بعد ساعات من اغتيال هنية في طهران، حيث قال: “الثأر لضيفنا، وسيكون الرد من مسؤوليتنا نحن”.
وأضاف شاوردى أن “إيران تتحدث عن الرد منذ فترة، ما قاله الرئيس الإيراني خلال جولته الأخيرة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، تم الاستماع إليه بشكل غير مباشر إلى اقتراحات عبر وسطاء. وقد اقترح هؤلاء الوسطاء أنه إذا أوقفت إيران أو ألغت الرد على إسرائيل، فسيكون هناك وقف للنار.
وأوضح، أن “هذا الاقتراح وصل من وسطاء عرب لهم علاقة مع إيران وأمريكا في الوقت نفسه”، مبيناً أن “هذا الأمر يُنظر إليه في إيران على أنه خداع سياسي يُهدف إلى تبريد الموقف الإيراني ومنع الرد”.
واعتبر أن “إسرائيل، حتى وإن وافقت على المقترح، فلن تلتزم، كونها كيانًا مارقًا، ولا قيمة لوعد أمريكي في نظر إيران”.
تجدد الوعيد
وبعد ما قال الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، إن “وعود قادة أمريكا وأوروبا بوقف إطلاق النار مقابل عدم ردنا على قتل هنية كانت محض أكاذيب”، عاد تهديده إلى الكيان الصهيوني، وأكد قائلاً، إن “جرائم إسرائيل لن تبقى دون رد”.
ولفت بزشكيان إلى أن “مزاعم أميركا والدول الأوروبية حول الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في حال اجتناب إيران عن الرد على اغتيال الشهيد هنية في طهران كانت كاذبة”.
وشدد الرئيس الإيراني على أن “إعطاء الفرصة لمثل هؤلاء المجرمين يشجعهم على ارتكاب المزيد من الجرائم”.
كما اكد على انه “يجب ألا يُترك المقاومون وحدهم ليواصل الكيان الإسرائيلي جرائمه ويعتدي على دول محور المقاومة واحدة تلو الأخرى”.
ولفت إلى أن “الدول العربية والإسلامية تتحمل مسؤوليةً كبيرة تجاه هذه المأساة، لذلك يجب ألا تقف متفرجة على جرائم “إسرائيل” كونها تعرّض أمن المنطقة للخطر”.