وسط موجة درجات حرارة مرتفعة تشهدها العراق والمنطقة، اندلع حريق هائل في غابات محافظة حلبجة شمالي البلاد يوم الأحد الماضي (17–18 آب 2025)، امتد إلى مناطق زراعية غنية بالغطاء النباتي، واستمر لثلاثة أيام. اليوم (الأربعاء 20 آب)، أعلنت فرق الدفاع المدني نجاحها في إخماد الحريق، فيما بدأت الجهات المعنية ميدانيًا وجماهيريًا بتقييم الأضرار الطبية والبيئية والمادية.
وقالت مصادر أمنية إن “حريقاً كبيراً اندلع في غابات محافظة حلبجة، أدى إلى احتراق آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية والمسطحات الخضراء”، وسط تحديات في السيطرة عليه بسبب طبيعة المُنطقة والرياح العالية. وتدخلت فرق الدفاع المدني، بدعم من متطوعين محليين وفرق من بلدية حلبجة والدفاع المدني في السليمانية وفرق الطيران، للعمل على احتواء الحريق منذ بدايته وحتى إخماده الكامل اليوم الأربعاء٠
حصيلة الأضرار والخسائر
أوضح العميد عابدين عبد الرحمن، مدير الدفاع المدني في حلبجة، أن الحريق طال أكثر من 5 آلاف دونم من الغابات والبساتين، ودمر مساحات واسعة من المزارع داخل ست قرى. كما أسفر عن مصرع اثنين من أبناء المحافظة خلال تطوعهم للإطفاء، بينهم عامل دفاع مدني، إلى جانب إصابتين بأضرار متفاوتة. وأضاف أن فرق الإطفاء المحلية تلاقت مع دعم من السليمانية والتنسيق الميداني المكثف، ما ساعد في السيطرة على النيران بعد ثلاثة أيام مستمرة.
من جهتها، ذكرت المحافظ نوخشة ناصح في مؤتمر صحافي أن التأخر في السيطرة على الحريق “أرجع إلى نقص المعدات المطلوبة، والتضاريس الجغرافية، وظروف المناخ القاسية”. وأكدت مجددًا أن النيران ألحقت ضرراً بـ 5 آلاف دونم من الأراضي، وشدّدت على “ضرورة محاسبة المتورطين في حرائق إذا تبيّنت أنها مفتعلة”. وأضافت أن المحافظة بصدد تشكيل لجنة لتقييم الخسائر وتعويض المتضررين عبر تقرير يرفع إلى مجلس الوزراء.
كما شهدت المحافظة حداداً عاماً يوم الاثنين الموافق 18 آب، مدته يومان، تكريمًا لأرواح الضحايا. وأكدت شرطة الغابات أن “الشهيد محمد الشيخ حيدر” هو المنتسب الذي ارتقى أثناء محاولات إخماد الحريق، منوّهة بأن عشرات العناصر والشاحنات والمعدات شاركت في العمل على إخماد النيران التي اندلعت في قريتي جنار وموردين، وأسفرت أيضًا عن وفاة مواطن مدني وإصابة اثنين آخرين بجروح متفاوتة.
تحذير من التبعات
وأثار المختص البيئي والصحي، جمعة الدراجي، مخاوفه من آثار الحريق، قائلاً إن تداعياته لن تبقى محصورة على البيئة، بل ستطال صحة السكان. وأوضح أن “الحريق أدى إلى تدمير مساحات واسعة من الغطاء النباتي، ما يهدّد التنوّع البيولوجي ويزيد من انحسار التربة”، بالإضافة إلى انبعاث كميات كبيرة من الملوّثات الهوائية التي قد تؤثر لاحقًا على المناخ وجودة المياه.
ولفت الدراجي إلى أن الدخان الكثيف المغطّي للسماء لثلاثة أيام احتوى جسيمات دقيقة “تتغلغل في الجهاز التنفسي، مسبّبة تهيّجاً وربما أزمات تنفسية” خصوصًا لدى الأطفال وكبار السن والمصابين بأمراض الجهاز التنفسي والقلب. كما حذّر من أن رجال الإطفاء والمتطوعين تعرّضوا لمخاطر صحية حالية بسبب الاستنشاق الطويل للدخان والإجهاد الحراري، وشدّد على احتمال وقوع آثار نفسية بين السكان الذين عايشوا الحريق. ودعا إلى “مراقبة جودة الهواء فورًا، وحماية الفئات الضعيفة عبر الكمامات المناسبة، وإطلاق خطة لإعادة تأهيل الغابات، ومتابعة صحة السكان على المدى القريب والبعيد”.