وسط أروقة البرلمان، يضيع ما يُفترض أن يكون قانونًا استثنائيًا لشريحة استثنائية. إنه قانون الحشد الشعبي، المشروع الذي يفترض أن يُنصف الآلاف ممن قاتلوا دفاعًا عن العراق، ويمنحهم الإطار القانوني الذي تأخر طويلاً في تنظيم وجودهم وضمان حقوقهم.
رغم أهمية القانون وما يحمله من بنود تُعالج إشكالات كبيرة، إلا أن طريقه نحو الإقرار يبدو محفوفًا بالمخاوف والضغوط، بعضها من الخارج، وبعضها الآخر من الداخل.
فبحسب مصادر برلمانية، لا يخلو الجو التشريعي من التردد. بعض النواب، بمن فيهم أولئك الذين يرفعون شعار الدفاع عن الحشد ليل نهار، يلتزمون الصمت المطبق كلما اقترب النقاش من الجد.
منصة “إيشان”، حاولت أن تتواصل مع الكثير من النواب الذين يقولون، إنهم مع الحشد ويدافعون عنه، لتسألهم عن مصير قانون يحفظ حقوقهم، التزموا الصمت، ولم يردوا على اتصال أو رسالة.
في الجلسات العلنية لا يُثار الموضوع، وفي الاجتماعات المغلقة يُواجه بالتسويف والتأجيل. ويؤكد نواب مطّلعون أن هناك “خشية غير مبررة” من اتخاذ موقف صريح، في ظل إشارات واضحة لضغوط أميركية تمارس عبر قنوات متعددة للحيلولة دون تمرير القانون.
القانون، كما تؤكد مسودته المتداولة، يتضمن إعادة هيكلة عمل هيئة الحشد الشعبي وفق أنظمة إدارية وعسكرية واضحة، ويقر حقوقًا تقاعدية ومخصصات متساوية مع أقرانهم في القوات المسلحة، ويضع ضوابط قانونية للترقيات والتخصيصات والمهام، بما يضمن نهاية لعقود من التداخل والتفاوت والغموض.
لكن ما يُفترض أن يكون تحصيل حاصل، لا يزال حبيس الأدراج. وفي الوقت الذي تُطوى فيه ملفات كبرى تحت ذريعة الإصلاح، يبقى ملف الحشد عالقًا بين نيران السياسة وتقاطع المصالح. فالذين لبّوا نداء المرجعية، ووقفوا على خطوط النار حين كانت بغداد مهددة، لا يزالون ينتظرون قانونًا يُعيد لهم شيئًا من الاعتبار، ويمنح عوائل الشهداء وضحايا المعارك ما يستحقونه من رعاية وتقدير.
ولعلّ المفارقة، أن أكثر ما يُخيف البعض من القانون، ليس فقراته، بل ما يُمكن أن يعنيه من تثبيتٍ رسمي لقوة فرضت وجودها بدمائها، وصار لها وزنٌ في المعادلة العراقية. قوة لا يمكن اختزالها في بند مالي أو وظيفة عسكرية، بقدر ما تمثل رمزية شعبية واجتماعية عابرة للطوائف والمحافظات.. هذا ما يراه الكثير من المراقبين.
وفي ظل هذا المشهد الضبابي، تتعالى الأصوات المطالبة بحسم الملف دون مواربة، وبتجنيب الحشد الشعبي لعبة الحسابات الضيقة، لأن أي تراجع أو تسويف سيُقرأ في الشارع كتنكّر لتضحيات ما زالت آثارها شاخصة في المدن المحررة والمقابر المفتوحة.
فهل يتجاوز البرلمان حسابات الخوف، ويمنح الحشد ما يستحقه؟ أم يبقى القانون مرهونًا بإشارات الخارج وتوازنات الداخل؟ الجواب، لا يزال مؤجلاً.