اخر الاخبار

إحباط تهريب آلاف الحبوب المخدرة في الأنبار بواسطة بالون هوائي

أعلنت مديرية الاستخبارات العسكرية، اليوم السبت، إحباط تهريب أكثر...

بالتزامن مع أول موجة أمطار.. الداخلية تنشر توصيات للتعامل مع الفيضانات

أصدرت وزارة الداخلية، اليوم السبت، مجموعة من الوصايا والإرشادات...

خسارة غير متوقعة لشيوخ عشائر بارزين.. ما الذي تغيّر في المزاج الانتخابي؟

شهدت الانتخابات البرلمانية الحالية، مفاجأة كبيرة تمثلت بخسارة عدد...

توضيح من المفوضية.. غياب الشكاوى الحمراء يبدد المخاوف من تغيير النتائج والطعون ستنطلق

أكدت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، اليوم السبت، استمرارَها في...

العراق يلتقط أنفاسه.. الموارد المائية: سنة 2025 تتجه لتكون رطبة بعد أسوأ جفاف

أكد وزير الموارد المائية عون ذياب، اليوم السبت، أنّ...

ذات صلة

خسارة غير متوقعة لشيوخ عشائر بارزين.. ما الذي تغيّر في المزاج الانتخابي؟

شارك على مواقع التواصل

شهدت الانتخابات البرلمانية الحالية، مفاجأة كبيرة تمثلت بخسارة عدد من أبرز شيوخ العشائر الذين اعتادت مناطقهم على منحهم ثقلاً انتخابياً واضحاً طوال الدورات الماضية.

ورغم دخول هؤلاء الشيوخ السباق الانتخابي مدعومين بثقل اجتماعي واسع، فإن النتائج كشفت تحولاً لافتاً في بنية التصويت واتجاهات المزاج الشعبي، ما أثار تساؤلات حول مستقبل الدور السياسي للعشائر في البلاد.

الخاسرون تَوزّعوا على مناطق مختلفة، وشملت القائمة أسماء تُعدّ رموزاً بارزة في البنية العشائرية العراقية، مثل عبد الله الياور شيخ مشايخ شمّر، ووصفي العاصي شيخ مشايخ العبيد، ومحمد الشعلان شيخ مشايخ الأگرع، ومهدي منفي الدبي شيخ مشايخ جبور، وحيدر محمد چثير شيخ مشايخ آل إزيرج، ومزاحم الكنعان شيخ مشايخ بني تميم، وعامر حبيب الخيزران شيخ مشايخ العزة، ومحمد الصيهود شيخ مشايخ السودان، وضرغام المالكي شيخ مشايخ بني مالك، وحاتم رياض العتابي شيخ مشايخ عتاب، وعدنان الجنابي شيخ مشايخ الجنابيين، إضافة إلى أحمد الفواز الوطيفي شيخ عشيرة البو طيف، وعلي بدر عبيد الردام شيخ عشيرة العزة في بابل.

كما خسر شيوخ لعشائر كبيرة أخرى مثل مياح والدبات والخزاعل والبوبدر وبني لام، إلى جانب خسارة عشرة من شيوخ عشائر بابل، من بينهم رعد الجبوري وأسعد المسلماوي وثائر آل كتاب.

هذا التحوّل المفاجئ يفتح الباب أمام قراءة جديدة لدور العشيرة في السياسة العراقية. فبحسب محللين، فإن ما كان يُنظر إليه طويلاً بوصفه “كتلة تصويتية مضمونة” لم يعد كما كان، في ظل تغيّر أولويات الناخب وتبدل طبيعة التحالفات، إضافة إلى الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تدفع العراقيين إلى البحث عن خيارات بديلة.

يرى مراقبون أن أحد أبرز العوامل هو تراجع الثقة الجماهيرية. فمع تفاقم البطالة وتدهور الخدمات، بات الناخب أقل ميلاً لمنح صوته وفق الانتماء التقليدي، وأكثر ميلاً لربطه بالكفاءة أو الوعود الإصلاحية. ويقول باحثون إن المواطنين باتوا يميزون بين “الرمزية الاجتماعية” و”الأداء السياسي”، وإن الأول لا يكفي لضمان مقعد تحت قبة البرلمان.

هذا الرأي يؤكده الدكتور غالب الدعمي، الباحث في الشأن السياسي، الذي يرى أن نتائج الانتخابات “أظهرت حقيقة واضحة مفادها أن شيوخ العشائر يحظون بالتقدير بوصفهم رموزاً اجتماعية، إلا أن هذا التقدير لا ينعكس على ثقة في المهام السياسية والتنفيذية”، مضيفاً أن هذه الظاهرة ليست جديدة، بل برزت في جولات انتخابية سابقة، وأن المجتمع بات أكثر وعياً بحدود الدور العشائري في السياسة.

عامل آخر يلفت إليه متابعون يتمثل في التنافس داخل العشيرة نفسها. فبدلاً من التوحد خلف مرشح واحد، دخلت عشائر عديدة في سباقات داخلية حادة أسفرت عن تشتت الأصوات وضياع الكتلة التصويتية التي كان يمكن أن تمنح مرشحاً واحداً فرصة الفوز.

كما يشير بعض الناخبين إلى أن تقدير العشيرة كرمز اجتماعي لا يعني أنها صالحة لإدارة الدولة، معتبرين أن تحويل الأعراف والتقاليد إلى بديل عن القانون “يدخل البلاد في دوائر من التخلف والرجعية”، وأن بناء الدولة الحديثة يتطلب مؤسسات قانونية وكفاءات إدارية، وهو ما لا توفره بالضرورة البُنى العرفية التقليدية.

البعض يرى أن المشكلة أعمق من مجرد نتائج انتخابية، إذ يعتقد قسم من العراقيين أن “المنظومة العشائرية فقدت التأثير السياسي” وأن “النظام العشائري مات ويحتاج إلى دفن”، كما ورد في أحد التعليقات المتداولة، في تعبير يعكس حالة نفور من توظيف الانتماء العشائري في العملية السياسية. ويتفق أصحاب هذا الرأي مع من يقول إن التعويل على النفوذ العشائري يجعل المرشح “أسيراً للعشيرة والمناطقية”، ويذيب شخصيته السياسية المستقلة ويقيد قدرته على اتخاذ قرارات وطنية واسعة.

وإلى جانب التحولات الاجتماعية، تبرز عوامل سياسية وتقنية داخل النظام الانتخابي نفسه. فالتشريعات الجديدة وشروط الترشح وآليات عدّ الأصوات وزعت فرص الفوز بطريقة مختلفة عن السنوات السابقة. كما لعبت التحالفات الحزبية الكبيرة دوراً أقوى، مستفيدة من شبكات تمويل وتنظيم واسعة، ما وضع المرشح العشائري التقليدي ــ الذي يعتمد على قاعدة اجتماعية أكثر من اعتماده على أدوات سياسية حديثة ــ في موقع تنافسي أصعب.

كل هذه المؤشرات توحي بأن دور شيخ العشيرة في العراق يتجه نحو إعادة تعريف،. فالعشيرة ما زالت مؤسسة اجتماعية مؤثرة، لكنها لم تعد اللاعب السياسي الذي يحسم الانتخابات، ولا الضامن المباشر للفوز. ويبدو أن الناخب العراقي بات يفصل بين ما هو اجتماعي وما هو سياسي، في تطور قد يعكس اتجاهاً أوسع نحو إعادة تشكيل علاقة المجتمع بالسلطة، وربما نحو البحث عن بدائل تعيد الثقة إلى صناديق الاقتراع.

ورغم أن نتائج الانتخابات لا تعني بالضرورة اختفاء النفوذ العشائري، فإن الخسائر المتكررة التي لحقت بشيوخ كبار هذا العام قد تشكل نقطة تحول تاريخية، ستدفع العشائر نفسها إلى إعادة تقييم دورها، وقد تدفع الأحزاب أيضاً إلى مراجعة اعتمادها السابق على التحالفات العشائرية باعتبارها “آلات انتخابية” جاهزة، بعدما أثبتت صناديق الاقتراع أنها لم تعد كذلك بالقدر الذي كان يُظن.