على مدار العقود الماضية، سجل الجيش العراقي حضورًا بارزًا في الصراع العربي الإسرائيلي، مسهمًا بدور محوري في دعم القضية الفلسطينية والدفاع عن الأراضي العربية ضد الاحتلال الإسرائيلي. كان هذا الدور تعبيرًا عن التزام العراق القومي بقضايا الأمة العربية، وامتدادًا لعقيدته العسكرية والسياسية الرافضة للهيمنة الإسرائيلية.
النكبة وحرب 1948
بعد إعلان قيام دولة إسرائيل في 15 مايو 1948، اندلعت الحرب العربية الإسرائيلية الأولى، حيث شارك الجيش العراقي بفعالية ضمن القوات العربية. كان للعراق قوات عسكرية تجاوزت أعدادها 18 ألف جندي، تمركزت على الجبهة الفلسطينية الأردنية.
ركزت القوات العراقية عملياتها في منطقة جنين وطولكرم، حيث تمكنت من تحقيق انتصارات عسكرية مهمة، أبرزها معركة جنين، التي أظهرت شجاعة وكفاءة عالية لدى الجنود العراقيين. ورغم ضعف التنسيق بين الجيوش العربية، إلا أن القوات العراقية حافظت على خطوط دفاعها، ورفضت الانسحاب من مواقعها حتى بعد توقيع الهدنة، ما عزز من مكانتها كقوة فعالة على الأرض.
حرب 1967
شهدت حرب الأيام الستة عام 1967 تراجعًا كبيرًا للجيوش العربية أمام التفوق الإسرائيلي المدعوم من القوى الكبرى. ورغم أن مشاركة العراق كانت محدودة بسبب المسافة الجغرافية، إلا أنه أرسل وحدات جوية وبحرية للمساهمة في الجهود العسكرية.
ساهمت الطائرات العراقية في مهاجمة مواقع إسرائيلية، كما قدم العراق دعمًا لوجستيًا للدول العربية المشاركة. وبعد الهزيمة، استمر العراق في دعم جبهات المقاومة الفلسطينية، مؤكدًا التزامه بتحرير الأراضي المحتلة.
حرب الاستنزاف
في أعقاب نكسة 1967، بدأت حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل، واستمرت حتى عام 1970. شارك العراق بدور داعم عبر إرسال وحدات جوية لتعزيز القدرات العسكرية المصرية.
كما زود العراق سوريا ومصر بأسلحة وذخائر متطورة نسبيًا، رغم التحديات الاقتصادية والسياسية التي كانت تواجه البلاد. كانت هذه المشاركة تأكيدًا لالتزام العراق بالمبادئ القومية ودعمه للدول المواجهة لإسرائيل.
حرب أكتوبر
تُعد حرب أكتوبر 1973 أبرز محطة في تاريخ مشاركة الجيش العراقي في الصراع العربي الإسرائيلي. في هذه الحرب، أظهر العراق التزامًا كبيرًا بدعم الجبهتين المصرية والسورية، حيث أرسل قوات عسكرية كبيرة إلى سوريا بعد اندلاع الحرب.
شملت هذه القوات ما يقرب من 30 ألف جندي، و250 دبابة، و700 مركبة عسكرية، إلى جانب طائرات مقاتلة. شاركت القوات العراقية بفعالية في صد الهجوم الإسرائيلي على الجبهة السورية، لا سيما في معركة “الجيب الإسرائيلي” على جبهة الجولان.
تُعتبر هذه المشاركة نقطة مضيئة في تاريخ الجيش العراقي، حيث أثبتت القوات العراقية شجاعتها وقدرتها على مواجهة قوات إسرائيلية مدعومة تكنولوجيًا واستخباراتيًا.
ما بعد 1973
بعد حرب أكتوبر، ظل العراق على موقفه الداعم للقضية الفلسطينية، سواء عبر الدعم العسكري أو السياسي. قدم العراق تدريبات عسكرية لمقاتلي الفصائل الفلسطينية، وزودهم بالأسلحة والذخائر.
كما كان العراق حاضنًا للعديد من الاجتماعات السياسية التي جمعت القيادات الفلسطينية والعربية، مؤكدًا استعداده لدعم المقاومة في كل الظروف.
رغم الأدوار البطولية التي لعبها الجيش العراقي، واجهت مشاركاته تحديات كبيرة، أبرزها ضعف التنسيق بين الجيوش العربية، والمشاكل اللوجستية التي واجهها العراق بسبب البعد الجغرافي.
إضافة إلى ذلك، كانت العراق في فترات الحروب يعاني من أزمات داخلية، مما أثر على قدرته على تقديم الدعم المطلوب. لكن رغم هذه التحديات، حافظ الجيش العراقي على مواقفه تجاه القضية الفلسطينية.
تُعد مشاركات الجيش العراقي في الحروب ضد إسرائيل جزءًا من إرثه العسكري والقومي. ورغم التغيرات السياسية والاقتصادية التي شهدها العراق، إلا أن تاريخه العسكري في هذا السياق يعكس إصرارًا على تحقيق العدالة والدفاع عن الحقوق العربية.