تتميز مدينة البصرة، الواقعة في جنوب العراق، بعادات رمضانية ذات طابع خاص، تمتزج فيها التأثيرات التاريخية والدينية مع الموروث الشعبي. فمنذ دخول شهر رمضان، تعيش المدينة أجواءً روحانية واجتماعية فريدة تمتد جذورها إلى قرون، متأثرة بعوامل الجغرافيا والتاريخ والموروث الثقافي العربي والإسلامي.
يبدأ استقبال رمضان في البصرة قبل حلوله بأيام، حيث يحرص الأهالي على تنظيف البيوت وتزيينها بالفوانيس، كما تزدحم الأسواق الشعبية مثل سوق “العشار” وسوق “المقام” وسوق “الخضارة” بالمتسوقين الذين يشترون مستلزمات الشهر الكريم، خاصة التمور التي تشتهر بها المنطقة، والتوابل واللحوم لتحضير الأطباق الرمضانية التقليدية.
وجبات رمضانية تقليدية
يمثل الطعام أحد أهم مظاهر رمضان في البصرة، حيث تتنوع الموائد بين الأطباق التقليدية التي تعكس تراث المدينة، ومن أبرزها: الثريد (وهو الخبز المغموس في المرق مع اللحم أو الدجاج، ويعتبر طبقًا رئيسيًا في معظم الموائد)، والهريس (طبق شعبي يُعدّ من القمح المجروش المطبوخ مع اللحم، ويُعرف بقيمته الغذائية العالية)، والدولمة (وهي محشي الخضار مثل ورق العنب والباذنجان والفلفل، وتحظى بشعبية كبيرة خاصة في الولائم العائلية). والزلابية والبقلاوة من الحلويات التي تزداد شعبيتها خلال الشهر الكريم، وتُباع بكثرة في الأسواق الشعبية.
طقوس المسحراتي
كان مدفع الإفطار يُستخدم قديمًا للإعلان عن موعد الإفطار، وهو تقليد عثماني استمر لفترة طويلة، قبل أن يُستبدل بالمآذن والإذاعات المحلية. رغم التطورات الحديثة، لا تزال بعض الطقوس التراثية قائمة، ومنها أما المسحراتي، فيُعد شخصية محبوبة في الأحياء الشعبية، حيث يجوب الأزقة ليلًا بطبلته مناديًا: “اصحى يا نايم.. وحد الدايم”.
في المساجد الكبيرة مثل مسجد خطوة الإمام علي في الزبير وجامع الكواز ومسجد الخضيري، تتزايد أعداد المصلين في صلاة التراويح والتهجد، ويحرص الكثيرون على ختم القرآن الكريم خلال الشهر. كما تقام مجالس دينية في البيوت والأحياء، خاصة في المناطق القديمة كـ”محلة المشراق” و”السيمر”.
الختمات القرآنية و”الماجينا”
واحدة من العادات الجميلة التي يحافظ عليها الأطفال في البصرة هي عادة “الماجينا”، حيث يجوب الصغار الحارات في منتصف رمضان، مرتدين الملابس الشعبية، مرددين أهازيج مثل:
“ماجينا يا ماجينا.. حل الجيس وأنطينا”
وهي عادة تشبه “القرقيعان” في الخليج، حيث يتلقى الأطفال الحلوى والتمر والمكسرات من الأهالي.
تكتسب ليالي العشر الأواخر مكانة خاصة، حيث يقضيها الناس في الاعتكاف والتضرع والدعاء. وعند حلول عيد الفطر، تتجلى روح البهجة في تبادل التهاني، فيما يحرص كبار العائلات على تقديم “العيديات” للأطفال، وهي هدايا مالية رمزية تُمنح لهم صبيحة العيد.
فعاليات جديدة
في رمضان الماضي، شهدت البصرة إقامة معرض “الواعي” للكتاب والخط العربي، وذلك ضمن فعاليات الشهر المبارك، وقد استمر المعرض لعشرة أيام خمن الساعة 9 ولغاية 12 ليلا ويتضمن فقرات رسم بالإضافة إلى عرض لوحات تشكيلة وخط عربي.
أما شارع الفراهيدي للكتب، الشهير في البصرة، فقد غير منهجه في رمضان الفائت باستقبال رواد الشارع أغلب ليالي رمضان، بدلا من الافتتاح خلال الجمعة والسبت.
لا تزال البصرة، رغم التحولات الحديثة، تحتفظ بجوهر عاداتها الرمضانية، ما يعكس هويتها الثقافية والتاريخية الغنية. وبينما تستمر بعض التقاليد، تلاشت أخرى تحت تأثير الحياة العصرية، إلا أن روح التكافل الاجتماعي والعبادات الجماعية تبقى سمة بارزة في رمضان البصري.