مع اقتراب ذكرى أربعينية الإمام الحسين، تشهد مدن العراق، ولا سيما المحافظات الجنوبية، زخمًا بشريًا استثنائيًا يتجه نحو كربلاء. ملايين الزائرين من داخل البلاد وخارجها يبدأون زحفهم السنوي صوب “قبلة الأحرار”، سيرًا على الأقدام، في أكبر تجمّع ديني تشهده البلاد كل عام.
الزائرون يسلكون طرقًا تمتد لمئات الكيلومترات، قادمين من البصرة، ميسان، ذي قار، والمناطق النائية من نينوى وديالى وكركوك، في مشهد تتجدد ملامحه كل عام، لكنه لا يخلو من المآسي التي ترافقه على الطرق.
الحوادث تلاحق الزائرين
سبب حوادث السير، الطريق إلى كربلاء محفوف بالمخاطر، لا سيما مع تصاعد مؤشرات حوادث السير خلال هذه المناسبة. ففي عام 2023 وحده، سجلت مديرية المرور العامة 90 حادث سير خلال أيام الزيارة، أسفرت عن أكثر من 200 حالة وفاة وإصابة. أما في 2024، فقد قفز الرقم إلى 365 إصابة موثقة من قبل وزارة الصحة، إلى جانب عشرات الوفيات غير المعلنة رسميًا حتى الآن.
وتتكرر هذه الحوادث بشكل سنوي بسبب عوامل عديدة أبرزها: الاستخدام الخاطئ للمركبات، السرعة الزائدة، ضعف البنية التحتية، وغياب الطرق الموازية أو الحولية. ويقول أحد الضباط في المرور العامة: “90% من الحوادث سببها السرعة والقيادة غير المنضبطة وافتقار المركبات إلى شروط السلامة”.
خطة أمنية مشددة والمرور في صلب الاهتمام
في محاولة لتدارك الكوارث المتكررة، ترأس وزير الداخلية عبد الأمير الشمري، يوم السبت، اجتماعًا موسعًا في مقر قيادة عمليات كربلاء، بحضور مسؤولي المحافظات المحيطة. وخلال الاجتماع، وجه الشمري، بصفته رئيس اللجنة الأمنية العليا للزيارات المليونية، بجملة توصيات أبرزها: “أن تكون هذه الزيارة خالية من الحوادث المرورية وغيرها”.
وشدد الوزير على تعزيز القطعات الأمنية، نشر مفارز المرور والدفاع المدني، الاعتماد على منظومة الكاميرات، ونصب الرادارات الذكية، خصوصًا على الطرق المؤدية إلى المدينة القديمة في كربلاء. كما تم التأكيد على تنظيم حركة السير من المنافذ الحدودية وحتى المدينة، مرورًا بجميع المحافظات.
مآس تتكرر
في حادثة مؤلمة وقعت في 17 آب 2024، اصطدمت حافلة تقل زوارًا إيرانيين بشاحنة صهريج لنقل النفط الأسود على طريق الديوانية السريع المؤدي إلى ذي قار، ما أسفر عن إصابة 46 شخصًا، بعضهم في حالات حرجة. الحادث كشف مرة أخرى هشاشة الطرق السريعة وخطر تلاقي حافلات الزائرين مع الشاحنات الثقيلة.
وزارة الصحة العراقية نشرت، ضمن خطة الإسناد الطبي لزيارة الأربعين، إحصائية ذكرت فيها أن عدد المصابين بالحوادث بلغ 365 خلال أيام الزيارة فقط، فيما تجاوز عدد المرضى المنقولين بالإسعاف 26 ألف حالة.
هل نملك أدوات السيطرة؟
رغم كل الإجراءات المعلنة، إلا أن التساؤل الجوهري يظل مطروحًا: هل تملك السلطات فعلاً الإمكانات الكافية لضمان سلامة الملايين على الطرق؟ ثلاث زيارات سنوية سابقة، شملت محاولات تنسيق وتوسيع، لكن النتيجة ظلت متكررة: مئات المصابين وعشرات القتلى في كل عام.
الخبراء يشيرون إلى أن المعالجة تتطلب إعادة هيكلة جذرية للبنية التحتية، تحويل الطرق إلى مسارات متعددة، وإنشاء طرق خدمية مؤقتة للزائرين، إلى جانب فرض رقابة صارمة على المركبات الناقلة، وتحديد مسارات خاصة بالشاحنات الثقيلة.