في المؤسسات العسكرية حول العالم، تُعدّ السلامة أثناء التدريبات أولوية قصوى. تُصمم البرامج التدريبية لتقليل المخاطر إلى أدنى حد ممكن، مع الالتزام بإجراءات صارمة للسلامة والوقاية. ويُعدّ أي حادث يؤدي إلى إصابة أو وفاة مؤشراً على وجود خلل في إجراءات السلامة ويتطلب تحقيقًا فوريًا ومحاسبة المسؤولين.
لكن هذا لم يكن حال طلاب الكلية العسكرية، إذ توفي يوم أمس الأربعاء طالبان من الكلية العسكرية، نتيجة تعرضهما المباشر لأشعة الشمس، وتركهما تحتها لمدة ست ساعات متواصلة.
“الكليات العسكرية تعتمد سياقات عمل مهنية وواضحة المعالم، والكلية العسكرية العراقية تعتمد السياقات البريطانية في التدريب”، يقول الخبير الأمني مخلد حازم، في تصريح لمنصة “إيشان”.
ويستدرك: “الخسائر حالة استثنائية في التدريب، لكن ما حصل يوم أمس حالة شاذة”، مبينًا: “الطلبة لا يزالون في بداية دخولهم إلى التدريب، ويجب أن تكون هناك إجراءات لاستقبال الطلبة، وما حصل إهمال قد يكون غير متعمد، لكنه يظل إهمالًا”.
وبينما تمضي الإجراءات القانونية بحق عدد من الرتب العسكرية، على رأسهم رئيس الأكاديمية العسكرية ناصر الغنام، ومعاونه، وعميد الكلية العسكرية الرابعة، وآمر الفوج المختص، مع تشكيل لجنة للتحقيق في هذه الحادثة، تظهر تساؤلات حول “الخسائر الجائزة” خلال التدريب، واحتمالات العقوبات بحق الرتب الأعلى والأدنى.
ما نسبة الخسائر الجائزة؟
مصادر عسكرية أبلغت منصة “إيشان”، أن “الخسائر المقبولة خلال التدريبات في أعراف وسياقات الكلية العسكرية تصل إلى 5 بالمئة، وإذا ارتفعت النسبة إلى أكثر من هذا الرقم فهذا يعني أن هناك خللًا في التدريب”.
أما الخبير القانوني علي الطائي، فأشار في حديث لمنصة “إيشان” إلى أنه “لا توجد مواد قانونية تبيح الخسائر البشرية في التدريب العسكري، بل هناك تعليمات خاصة عند إجراء تدريبات للقوات الخاصة، والمنهج العسكري عادة يستخدم أسلوب التدرّج التدريبي، دون البدء بضغط مفرط في التدريب”.
احتمالات عقوبات الرتب الأعلى والأدنى
الخبير القانوني علي التميمي أعرب عن تأييده لخطوة رئيس الوزراء بفتح تحقيق في الحادثة وفق صلاحياته، موضحًا أن المجلس التحقيقي “سيستمع إلى إفادات الشهود، ويطلع على تقرير الطب العدلي، ويستمع إلى المدعين بالحق الشخصي، ثم يبتّ بهذه الحقائق”.
وأضاف: “القوانين العسكرية اشترطت أن يكون المسؤولون عن التدريب مهنيين، ويتحلون بإمكانيات عالية في التدريب واللياقة البدنية، كما اشترطت أن يكون الطلاب صالحين بدنيًا من خلال الفحوصات التي تُجرى عليهم قبل الامتحان، لأن التدريب العسكري شاق جدًا”.
الاحتمال الأول بحسب الخبير القانوني علي التميمي، هو عقوبة تجاوز حدود الوظيفة، والتي تصل إلى الحبس لمدة لا تزيد على سنتين.
نص المادة 52 من قانون العقوبات العسكري 2007:
أولًا – أ-يعاقب بالحبس كل من استعمل نفوذ وظيفته أو مقامه أو رتبته أو أمر الأدنى رتبة بارتكاب جريمة.
ب. يُعد الآمر فاعلًا أصليًا للجريمة إذا ارتُكبت الجريمة أو شُرع فيها.
ثانيًا – يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن (2) سنتين كل رتبة أعلى أساء استعمال نفوذ وظيفته بإصداره إلى رتبة أدنى أمرًا أو طلبًا منه أفعالًا لا علاقة لها بالوظيفة أو طلب من رتبة أدنى هدية أو قرضًا.
ثالثًا – يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على (2) سنتين كل من فرض عمدًا عقوبة لا حق له في فرضها أو جاوز حدود صلاحياته القانونية.
رابعًا – يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على (6) ستة أشهر كل من أهمل شكوى رتبة أدنى أو هدد المشتكي.
الاحتمال الثاني هو الاعتداء على رتبة أدنى، وتصل عقوبته إلى الحبس لمدة سنتين.
نص المادة 58 من قانون العقوبات العسكري 2007:
أولًا – يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على (3) ثلاثة أشهر كل من سبّ رتبة أدنى أو أهانها أو أساء معاملتها خلافًا للأصول أو الأنظمة العسكرية، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات إذا ارتُكبت الأفعال المذكورة بإسناد واقعة معينة.
ثانيًا – يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على (2) سنتين كل من اعتدى على رتبة أدنى أو ألحق بجسمه أذى أو قام بعمل أدى إلى الإخلال بصحته أو ضاعف واجباته دون مبرر مشروع ولغرض التعذيب أو سمح للآخرين بإيذائه.
هل يُساءل آمر الفوج؟ أو رئيس الكلية العسكرية؟
يقول التميمي: “نعم، يُساءل، لأن المادة 24 من قانون العقوبات العسكرية أكدت مسؤولية القادة بالنسبة للجرائم التي تُرتكب من الرتب الأدنى، حتى لو كان مجرد علم بالأمر، بحكم مسؤوليته، وهذا يسمى القصد الاحتمالي”.
نص المادة 24 من قانون العقوبات العسكرية:
أولًا – إذا كان الأمر الصادر لتنفيذ واجب عسكري جريمة، فتترتب المسؤولية الجزائية عن هذه الجريمة على الآمر.
ثانيًا – يُعد الأدنى رتبة شريكًا في ارتكاب الجريمة في إحدى الحالات الآتية:
أ. إذا تجاوز حدود الأمر الصادر إليه.
ب. إذا علم أن الأمر الذي تلقاه يقصد به ارتكاب جريمة عسكرية أو مدنية.
الاحتمال الآخر الذي طرحه الخبير القانوني هو جريمة القتل غير العمد، وتصل عقوبتها إلى الحبس 5 سنوات.
نص المادة 411 من قانون العقوبات العراقي:
-
من قتل شخصًا خطأ أو تسبب في قتله من غير عمد، وكان ذلك ناشئًا عن إهمال أو رعونة أو عدم انتباه أو عدم احتياط أو عدم مراعاة القوانين والأنظمة والأوامر، يعاقب بالحبس والغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين.
-
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن ثلاثمائة دينار ولا تزيد على خمسمائة، أو بإحدى هاتين العقوبتين، إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني إخلالًا جسيمًا بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته، أو كان تحت تأثير مسكر أو مخدر وقت ارتكاب الخطأ، أو نكل وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك.
-
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات إذا نشأ عن الجريمة موت ثلاثة أشخاص أو أكثر، فإذا توافر مع ذلك ظرف آخر من الظروف الواردة في الفقرة السابقة، تكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات.
وعن الاحتمال الأخير، واختتم التميمي بالقول: “طالب الكلية العسكرية يتعرض لفحص طبي دقيق وشامل، وفي حال تبيّن أن لديه حالة صحية أغفلتها اللجنة المسؤولة عن الفحص، في هذه الحالة تُساءل اللجنة عن جريمة القتل العمد”، موضحًا: “لأنها لم تتخذ الحيطة ولا الإجراءات المناسبة، إذ يجب أن لا تُعطى الموافقة لقبول الطالب”.