اخر الاخبار

علي وجيه يكتب: عيد الغدير الثاني.. عن الفيزياء المسلّية والشيعة ونزع السلاح

كتب الإعلامي علي وجيه: عيد الغدير الثاني عن الفيزياء المسلّية والشيعة...

الداخلية: فيديو التسلل المتداول لا يعود للحدود العراقية

نفت وزارة الداخلية، اليوم السبت، وقوع عملية تسلل من...

رئيس مجلس القضاء: جلسة البرلمان الأولى يجب أن تنتهي بتسمية رئيس المجلس ونائبيه

قال رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي الدكتور فائق زيدان،...

الرئيس الباكستاني يصل إلى بغداد في زيارة رسمية

وصل رئيس جمهورية باكستان الإسلامية آصف علي زرداري، مساء...

حركة النجباء: المقاومة حق مشروع واستمرار الوجود الأميركي انتهاك سافر للسيادة

قال المعاون العسكري للمقاومة الإسلامية حركة النجباء، عبد القادر...

ذات صلة

علي وجيه يكتب: عيد الغدير الثاني.. عن الفيزياء المسلّية والشيعة ونزع السلاح

شارك على مواقع التواصل

كتب الإعلامي علي وجيه:
عيد الغدير الثاني
عن الفيزياء المسلّية والشيعة ونزع السلاح
.
التأريخ كائنٌ عملاق، لا يرى الأفراد إلاّ حشراتٍ صغيرة، والزمنُ كذلك، نحنُ كائنات لا تُرى في مسيره، لكن: إن شئتَ أن ترى المشهد، كما يراه التأريخ، وكما يراه الزمن، عليكَ أن تطير، وتحطّ على أكتافهم، ثمّ تنظر لمشهدٍ، لا يمتدّ على عامين [٧ أكتوبر وما يليه]، ولا حتى من ٢٠٠٣، عليك أن تنظرَ لـ ١٥ قرناً، لجماعةٍ اسمها: الشيعة.
صنعتنا، نحن الشيعة، سرديّة: حين أمسكَ نبيٌّ يدَ ابن عمّه، وقال: مَن كنتُ مولاهُ فهذا عليّ مولاه. وحين لم يسمعوه، نبتتْ قولةُ “لا”، وظهرت هذه الجماعة، وسارت، مثل الجماعات الأخرى، في التأريخ البشريّ العربيّ الإسلاميّ، لكن فرقها عن الجماعات الأخرى، أنها كانت فهرساً لـ”مقاتل الطالبيين” و”موسوعة العذاب”، و”قتلَ منهم ٨٠ رجلاً صبراً..”، و”قطع رأسه ورأسَ أصحابه وأرسلها للشام”، وغيرها من الجمل المرعبة، مع التماعات بسيطة هنا وهناك لم تشكّل ظاهرة.
ظلّت هذه الجماعة المُعارِضة، تتعرّضُ لكلّ كلامٍ عفنٍ، يطعنُهم من عقائدهم، إلى نسائهم، فهم ذوو ذيول، ثمّ ذيول، هم مشركون، هم أبناء متعة، ولم يبقَ ابن زانية لم يعمل سيّافاً على رقابِهم، أو يفجّر نفسه بأسواقهم، طيلة هذه الـ ١٥ قرناً، وكلّما جاءت الفرصة ليكونوا مستقرّين، رفضوها، كما فعلَ ثوّار العشرين، الذين غابوا سياسياً، فامتلأت بهم المقابر الجماعية على يد صدّام، بسبب الغياب السياسيّ فيما بعد.
أخطأوا، ومَن لا يخطئ؟ ومَن قال إن قراءتهم بسياقها لم تكن صحيحة؟ وإن كانت نتائجها فيما بعد، شبه كارثية؟
حتى جاءت لحظة ١٩٧٩، وهبطَ الخميني من الطائرة، فتغيّر المشهد.
كان يمكن أن يبقي على “توده”، وأن يرى تأويلاً فقهياً، وإن كان منطلقاً من التقيّة، لأجل ترتيب الأوراق مع الولايات المتحدة، وحتى اسراويل، لكنه لم يفعل، ونثر قنابلَ حرفيّاً في محيطه الشيعيّ، من العراق ولبنان وسوريا والبحرين والسعودية وصولاً لنيجيريا، كرهتُ الرجل لعقدين، لكنني، ستراتيجياً، أعرفُ ما فعل. وكيف يفكّر، الآن فقط.
نمت هذه القنابل، وكبروا، وصاروا مزعجين لكلّ الأنظمة، وامتلأت بهم السجون والمقابر، وملأوا قلب هذه الأنظمة رعباً.
صار للشيعة صوتٌ، إر.هابيّ أحياناً كما يصفوه، مخرّب، غوغائيّ، لكنه: صوت، ثمّة جماعة لا تستطيع أن تدفنَهم، وتمضي، ربّما سيأتي مجموعة شبّان ليستهدفوا ابن الديكتاتور في تقاطع الروّاد، أو بعبوة محلّية الصنع سيقتلون رفيقاً حزبياً، أو سفارة في الخارج، كما تفعل أي جماعة مقموعة في تأريخ البشر، بعيداً عن الطهرانية النظرية الزائفة التي لا تنظر للبشر الطبيعيّ، الذي تستهدفه، فيتوحّش.
بعد الخميني، بدأت تتشكل ظواهر المعارضة الشيعية العراقيّة في الخارج، ضدّ صدام، بعقل براغماتيّ أزعم أنه كان الأول في تأريخ هذه الجماعة، على يد العمامة السوداء وربطة العنق الحمراء: السيد محمّد باقر الحكيم، أحمد الجلبي، طاب ثراهما. وبدأ الاثنان بصناعة أصدقاء للشيعة، وإضافة نبرة سياسيّة لهذه الجماعة، التي شكّلت جثث أبنائها شكل الأرض، ثمّ سقط صدّام.
انقسم الشيعة إلى: أصدقاء، ومُحايدين، ومقاومين، فيما كانت كلّ نبرة النجف، شارع الرسول تحديداً: تستشرف شيئاً واحداً، وهدفاً واحداً: نفوذ الطائفة. أن لا يعود الشيعة للمقابر، والتهميش السياسيّ، فبدأ البيت الشيعيّ، يخطئ ويصيب، مرةً أمام المفخخات السنّية، ومرةً أمام المشاكسة الكردية، وكلّ رئيس وزراء، يخطئ ويصيب، ويضفي على المنصب شيئاً من روحه، لكن البيت لم يتهدم: يتخاصم بنوه، لكنهم موجودون.
حطّم مسلّحو الشيعة واحداً من أقذر السيناريوهات التي استهدفت العراق، أوقفت “الميلـيـ.شيات الشيعية” داعش في أبو غريب، وورقة واحدة من السيستاني صنعت درعاً لهذه البلاد، فعادوا حاملين دمهم، فانتخبهم جمهورهم، وبدأ تشكّل الجيل الثاني والثالث من البيت الشيعيّ، بلحظة أنتجت العبادي، وصعدت قوى وتيّارات، تمسك السياسة باليُمنى، والكلاشينكوف باليُسرى، وبدأ العظمُ الشيعيّ يتصلّب في الجسد العراقيّ، بوصف هذه الجماعة أغلبية بشريّة سكّانية، رأت ما رأت.
مشكلة العراق أنه نقطة التوتّر بين الشرق والغرب، وهذه أفضليّته كذلك، يدٌ مع إيران وصولاً للصين، وأخرى مع الغرب وصولاً للولايات المتحدة، التي تعرفُ تماماً أهمّية هذا البلد، ولهذا لم ينهر مثل بلدان أخرى، لكن العقل البراغماتي الشيعيّ ينمو بسرعة، فالدماغ الذي ينشأ على “الاجتهاد” و”الحِجاج” لا يتكلّس، مع رجوعه لبوفيْه كبير من المواقف تجعله بمنأى عن التنكيل، أعطاه مساحة مناورة عظيمة: إن شئتَ قيادة بلد؟ فذاك عليّ، وإن شئتَ سياسةً فذاك الحسن، وإن شئتَ ثورةً فهذا الحسين، إن اردتَ امرأةً فخذ فاطمة وزينب، وإن أردت علماً وتنويراً فخذ الباقر والصادق، سجناؤنا: الكاظم، مسمومونا: الرضا، وينتظرنا المهديّ نهاية العصر والزمان (عليهم السلام جميعاً).
هذا المتحف الرمزي لا تمتلكه جماعة مثل الشيعة، وهذا التنوّع انعكس تماماً على طاولة البيت الشيعيّ، منذ عبد العزيز الحكيم (طاب ثراه)، وصولاً لطاولة الإطار التنسيقيّ الحاليّ: هل تريدون موظفاً يبني ويعبّد ويتحدث مع الأمريكان باسترخاء؟ تفضّلوا السوداني، هل تريدون عمامةً هادئة؟ خذوا الحكيم، عمامة تبتسم بنصف شفة، وتغضب بالنصف الآخر؟ تفضلوا الخز.علي، شيعياً بريطانياً؟ خذوا العبادي، فصيلاً يتم التفاهم معه؟ هذا شبل والغراوي، فصيلاً يصيبكم بالصداع، ويدخل على كل اتفاق مثل إعلان يوتيوب مزعج؟ ذاك أبو حسين، وهكذا..
أثبت السابع من أكتوبر ومغامرة السنـ.وار أن ليس من المنطقي أن يفنى الشيعة، ويعود أبناؤهم للمقابر الجماعية، أو الدرونات، أو تحطيم البنايات، من أجل القضية الفلسطينية، فما بقي من العرب: هيفاء وهبي وهي ترقصُ السامري في السعودية، ولحية الشرع التي تغطّي نفوذ الكـيـ.ان، وتنويعات أخرى بين تطبيع وصمت.
نفوذ الطائفة، هذا هو التوجه، نفوذ الطائفة لأنها الغالبية السكانية، والأخ الأكبر للسنّة والكرد، على هذه الجماعة أن لا تفنى، اذن: ما المُزعج يا واشنطن؟ مسيّرات وسلاح طويل المدى؟
اشتغل العقلُ البراغماتي الشيعيّ أخيراً، أخيرا! أخيرا! بعد أن فعل ما فعل لأجل فلسـ.طين، وقال: حان الوقت لأحافظ على حاكميّة في بلاد أنا أبوها، وروحها، ومبدعها، لكم ما تريدون.
أبو معصومة الساعدي، سيتحوّل إلى “العقيد حسين الساعدي”، المسيّرة ستخرج من مخزنٍ ما، لتكون بمخزن الهيأة، المُقرّة بقانون، وتأتمر بأمر قائد القوات المسلّحة، الخارج من طاولة الإطار التنسيقي، بغالبية نيّابية “حشدو-فصائلية-شيعية”، وهذا هو التحوّل لـ”عراق قويّ شيعيّ”، لن يطبّع، لكنه لن يحارب وحده، كي تمتلئ المقابر مجدداً.
لو فهم الأفراد، الذين لا يجلسون على أكتاف التأريخ والزمن، هذه اللحظة، ستراتيجياً، لاعتبروا اليوم “عيد الغدير الثاني”، اليوم ثُنيت الوسادة للشيّعة بحكم العراق بشكلٍ واضح: أغلبية سكّانية، وفي قوانين الفيزياء: ارتطام قوّتين متماثلتين بالقوّة، متعاكستين بالاتجاه، ينتجان نقطة: صفر.
نحن الآن، أخيراً، منذ عيد الغدير: جماعة بشرية طبيعيّة تحكمُ بلاداً بشكلٍ ديمقراطي، هو النظام الوحيد في المنطقة، بلا مجازر، لا حاجة لسلاح خارج “سلطة الدولة” لأن العمود الفقري للدولة هو: الشيعة، بوصفهم: غالبية سكانية، سياسيّة، عددية، مع تعددٍ بالأدوار.
ليطمئن الشيعة على أنفسهم بالأقل لقرنٍ كامل، بعد هذا اليوم.
والسلامُ على كلّ سلاح منفلت، الذي أوصل الشيعة لهذه النقطة، على كلّ “ميليـ.شياوي”، السلام على عباد الله الصالحين! فعلتم ما عليكم، بعيداً عن الطهرانيّة النظريّة الزائفة!