تفيد أغلبية التوقعات بأن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر عائدٌ إلى العمل السياسي بعد فترة العزلة الإجبارية، رفقة فريقه النيابي المستقيل، بعد نحو عامين على اختياره ترك السياسة احتجاجاً على منعه من تشكيل الحكومة عقب فوزه بالانتخابات البرلمانية التي أجريت في أكتوبر/ تشرين الأول 2021 (حصل الصدر على 73 مقعداً في البرلمان).
ويعود الصدر هذه المرة في جولة قد تكون الأشد على منافسيه من قادة الأحزاب الشيعية.
من المفترض أن تُجرى الانتخابات التشريعية أواخر العام المقبل (2025). ولا يبدو أن الصدر سيعود لتشكيلة “العطّار” التي لطالما انتقدها، ولم يعد يقترب كما في السابق من الأحزاب الشيعية، كما شعر بالخذلان من الانهيار السريع للعلاقة مع الجبهة السنية التي تمثلت بـ”تقدم والسيادة”، أما بالنسبة للحزب الكردي الأكبر في البلاد، الديمقراطي الكردستاني، فلم تعد الروابط موجودة، حتى مع مواصلة غزل البرزانيين بالصدر.
تبدو الخريطة متجهة نحو فردانية الصدر بجمهوره، واعتزازه به ومنع اختراق تياره بأي اتفاقات، فيما يظهر أنه يعوّل على الشيعة ممن اختاروا الصمت طيلة الأعوام الماضية، لذلك فقد اجتهد الصدر في التقرب إليهم عبر ثلاثة قوانين أقرت عبر برلمان بلا صدريين، وكانت قريبة قلبياً منهم (تجريم التطبيع ومكافحة المثلية واعتبار يوم الغدير، عيداً وعطلة رسمية).
مع ذلك فإن الصدر لا يثق بالجماهير من غير تياره، بعد النكبة التي وضعته في زاوية حرجة، إذ لم ينس الصدر النداءات الكثيرة التي أطلقها تجاه المدنيين لدعمه في مشروع “حكومة الأغلبية”، ولم يلق استجابة.
تفيد مصادر من محللين ومراقبين، يقتربون من الصدر في خطيه الخطابي والسياسي، بأن “التيار الصدري يستعد للعودة ضمن تشكيلته القديمة تحت راية وشعار التيار الوطني الشيعي، الذي لن يقبل شيعة من غير الصدريين بين صفوفه، لكنه يسعى للحصول على أصوات الشيعة من الصامتين غير المنتمين لجهات سياسية”، مبينة لـ”إيشان”، أن “الصدر يريد أن يعزل نفسه عن كل الأحزاب الشيعية، لكن ذلك يحتاج إلى تكوين قوة برلمانية تحصل على عدد مقاعد يزيد عن ما حصل عليه في الانتخابات السابقة”.
وعن مصير “التيار الوطني الشيعي”، تشير المصادر إلى أن “الصدر قد لا يتمكن من تشكيل الحكومة المقبلة، لكنه سيسعى لذلك، وإن أخفق كما حدث قبيل اشتباكات بوابة المنطقة الخضراء (آب 2022)، فإنه سيتحول إلى قوة برلمانية تقف بوجه كل ما لا يعجب القيادة الصدرية، بالتالي فإن السيطرة على البرلمان سيكون أقسى على كل الأحزاب، ولعل أكثرها تضررا هي الأحزاب الشيعية”.
في مارس الماضي، قرر الصدر إنهاء تجميد الكتلة “الصدرية” المستقيلة من البرلمان العراقي، وعودتها تدريجياً إلى الاجتماع بقواعدها الجماهيرية، في خيار يدل بشكلٍ صريح على العودة للعمل السياسي والمشاركة في الانتخابات البرلمانية بدورتها السادسة.
واستغرب نشطاء السياسة من استخدام الصدر لمفردة “الشيعي” ضمن الاسم الجديد لتياره، لكن آخرين وجدوا أنه يحمل دلالة ملهمة لجذب مزيدٍ من الأتباع والمريدين، وخلق مساحة أكبر ضمن الفضاء الوطني، وهي بداية لانطلاقة قد تقضي “سياسياً” على خصومه.
ويبدو أن التفسير الأخير هو الأدق، خصوصاً وأن الصدر رغم المآخذ والملاحظات على حياته السياسية، لكنه بقي محافظاً على مكانة متقدمة لدى فقراء الشيعة، الذين يشترك معهم ديموغرافياً ووطنياً، ويتحدث إليهم بخطابات متواصلة عن الإصلاح وأهمية التمسك بالدين ومبادئ الإسلام والتشيّع، لكن هؤلاء لا يجدون آمالاً في التوصل لحلول جذرية وشاملة، بالنظر إلى جائحة اليأس، والصدر يدرك ذلك، وقد يكون هذا الباب هو مدخل الصدر خلال الأشهر المقبلة لعقول الناخبين من غير الصدريين، لكن المرشحين في الانتخابات والمناصب سيبقى حصراً على “الصدريين الأقحاح”.
يقول مناف الموسوي، وهو محلل سياسي قريب من الخط الصدري، إن “عودة الصدر والتيار الوطني الشيعي إلى العمل السياسي واضحة، من خلال تغيير عنوان التيار والحراك الجديد، وكان ذلك ظاهراً بالنظر إلى القاعدة الشعبية التي حضرت الذكرى السنوية لاستشهاد محمد محمد صادق الصدر(قده)”.
ويضيف في اتصالٍ مع “إيشان”، أن “الموعد المحدد لإعلان العودة لم يحدد بعد، لكن مشاركة الصدريين في الانتخابات المقبلة ممكنة جداً، كما لا يمكن حالياً الحديث عن تحالفات الصدر، لكن الواضح أن الصدر يريد الانفتاح على الفضاء الوطني، ويريد أن ينفتح على القواعد الشعبية والأغلبية الصامتة، التي تقترب كثيرا من مشروعه الإصلاحي”.
ويستكمل حديثه بأن “عودة التيار الصدري قد تكون مؤثرة في المشهد السياسي الذي بدت عليه الاشكاليات والضعف والوهن، وفشل ائتلاف إدارة الدولة في تنفيذ الاتفاقيات والوعود، وبالتالي اعتقد أن الاخفاقات الكثيرة التي تعاني منها العملية السياسية، بحاجة لعودة الصدر”.