وضعت كلمة “مقاطع” التي كتبها زعيم التيار الوطني الشيعي مقتدى الصدر، قبل اسمه في توقيع بيانه الأخير، سداً كبيراً بين الصدر واتباعه والانتخابات التشريعية المقبلة، حيث أراد الصدر من ذلك البيان أن يوصل رسالة لكل أحزاب السلطة بعدم العودة للعملية السياسية أو تلوين أصبعه بـ”الحبر الأزرق” في شهر تشرين الثاني.
دعوى الصدر وتأكيده على مقاطعة الانتخابات، جاء بعد يوم واحد على الأخبار التي انتشرت كالنار في الهشيم، حول اتصال أجراه رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، بمفوضية الانتخابات، مطالباً إياهم بفتح باب الترشيح للانتخابات، الأمر الذي يراه المراقبون بأنه من أجل عودة الصدر ونوابه، خاصة بعد أن كشفت مصادر عن اجتماع جرى قبل يومين بين المالكي ووفد صدري.
ورغم تأكيد المقاطعة الصدرية، يظل التساؤل الأهم يدور حول إصرار المالكي على عودة الصدريين إلى العملية السياسية والمشاركة في الانتخابات المقبلة؟، الأمر الذي وصفته أوساط سياسية، بأنه نابع من إدراك المالكي بمدى خطورة ابعاد الصدر وأنصاره عن العملية السياسية، باعتبارهم قوة كبيرة ومفصلية في تاريخ العراق الحديث.
وشبهت الأوساط السياسية، دعوة المالكي لعودة الصدريين، بموقف الرئيس الأمريكي الأسبق وودرو ويلسون (1913–1921) في أعقاب الحرب العالمية الأولى حين حذر من مغبة إذلال ألمانيا بشروط قاسية، وداعيًا إلى سلام عادل لا يولّد حربًا قادمة، يقف اليوم السيد نوري المالكي، ومن موقع تجربة ثقيلة ومعرفة عميقة بتعقيدات المجتمع والدولة، ليحذر من خطيئة تكرار المسار نفسه في الداخل العراقي.
ورأت أن الدعوات لرفض عودة التيار الصدري إلى العملية السياسية، وإن بدت للبعض تعبيرًا عن التماسك، إلا أنها في حقيقتها قنبلة مؤجلة في بنيان الاستقرار السياسي. فإقصاء تيار شعبي واسع، بكل ما يمثله من قاعدة جماهيرية وثقل رمزي وتاريخي، هو إضعاف للدولة لا تحصين لها، وتفكيك للنظام من داخله لا حماية له، والمالكي يدرك ذلك ويحذر منه.