اخر الاخبار

بعد ليلة اشتباكات.. قوات كردية تعتقل لاهور شيخ جنكي في السليمانية

بعد اشتباكات استمرت لنحو 4 ساعات في "لالازار" بالسليمانية،...

استنفار في السليمانية.. تعزيزات أمنية وازدحام مروري بعد صدور مذكرة اعتقال بحق لاهور شيخ جنكي

شهدت مدينة السليمانية، مساء الخميس، انتشاراً أمنياً واسعاً في...

تنسيقية المقاومة العراقية: الطائرات الأميركية تنتهك السيادة وأيادينا على الزناد

قالت تنسيقية المقاومة العراقية في بيان لها إن "الولايات...

بعد زينب جواد.. هيئة الإعلام تمنع “أبو عراق” من الظهور الإعلامي

  قررت هيئة الإعلام والاتصالات العراقية، اليوم الخميس، منع ظهور...

ذات صلة

مثقفون سوريون يكتبون مرثية الدولة المدنية: من طاغية إلى خليفة!

شارك على مواقع التواصل

تتكاثف التحذيرات في الأوساط الثقافية السورية من أن البلاد تُقاد بخطى حثيثة نحو شكل جديد من الاستبداد، لا يقلّ قسوة ولا قمعًا عن سابقه، وإن تغيّر وجه الحاكم وتبدلت شعارات الراية. فبينما تتهافت القوى الدولية على تثبيت “سلطة الأمر الواقع” ذات الطابع الإسلامي في سوريا، يعلو صوت المثقفين محذرين من انهيار ما تبقى من فكرة الدولة الوطنية، ومن خطر انزلاق المجتمع إلى قبضة سلطة ثيوقراطية تشرعن القمع باسم الدين وتعيد إنتاج آليات السيطرة القديمة، ولكن بثوب شرعي جديد.

ليس ما يجري مجرد إعادة ترتيب للخرائط السياسية، كما يقول بعضهم، بل هو تهديد مباشر لما تبقى من روح الثورة السورية، وتكريس لواقع يتسم بالوصاية الدينية، وتغوّل الهيمنة العقائدية، وتصفية ما تبقى من التعددية والكرامة المدنية. فالثورة التي حلم بها السوريون، يُراد لها الآن أن تُدفن تحت أنقاض “الخلافة المحلية”، ويُراد للمجتمع أن يُروض تحت سطوة الفتاوى، بدلًا من بناء عقد اجتماعي قائم على المواطنة والحرية.

نجيب جورج عوض: الثورة دُفنت رسميًا

كتب المفكر والمترجم نجيب جورج عوض مؤخرًا منشورًا طويلًا يشبه رثاءً صريحًا لسوريا التي عرفناها، معتبرًا أن أوروبا قد أعلنت تبنيها العلني للنظام الجديد، بعد ضوء أخضر أمريكي ودعم إسرائيلي مباشر. النظام الذي يتبلور الآن – كما يرى – هو مزيج من الأوتوقراطية والثيوقراطية، حيث تُدار البلاد وفقًا لمنهجية دينية سلطوية تُفرض كأمر واقع.

ويشير بمرارة إلى تجاهل المجازر، وخاصة مجازر الساحل، التي جرى التعامل معها كـ”تعديات غير منضبطة”، وترك مصيرها مفتوحًا لتحقيقات عديمة الجدوى. ويضيف أن وزير خارجية الإدارة الجديدة بات يتحدث من بروكسل بصفاقة المنتصر، حتى وصل به الأمر إلى اتهام طائفة بأكملها بتدمير سوريا، متجاهلًا حقيقة أن حكم الأسد لم يكن طائفيًا صرفًا، بل عصابة متعددة الطوائف، وإن حافظت على واجهة سلطوية محددة.

يرى عوض أن ما جرى هو عملية “ابتلاع كامل للبلد”، ودفن رسمي للثورة، وفتح لمسار تفتيت سوريا القادم بمباركة دولية باردة. في نظره، بدأ الآن عصر الاستبداد السلفي الأوتوقراطي-الثيوقراطي، وقد يستمر سنوات طويلة، ما لم تعدّل أمريكا قراءتها لدور سوريا في سياق ملفاتها الإقليمية. لم يبقَ للسوريين – كما يقول – سوى النجاة الفردية، فالسياسة انتهت، وبدأ زمن النجاة من الركام.

خلدون النبواني: مشروع لاستدعاء الخلافة

أما المختص بالفلسفة خلدون النبواني، فيلتقط الخيط من زاوية أكثر فكرية، ويغمس قلمه في نقد استلاب الوعي الجماعي. يقول ساخرًا: “نفس بشار الأسد، مراجله على الداخل وتارك إسرائيل تقصف سوريا دون أي رد”. ويقارن حال الفيسبوك السوري الآن بـ”كتائب إعدام معنوي وألوية تخوين ومحاكم ضمير وفتاوى ضد التفكير”، حيث تنهال الشتائم والاتهامات من كل اتجاه.

يرى النبواني أن الاستقطاب الحاد بلغ ذروته: إما أن تؤله الجولاني وتبايعه “خليفة الله على الأرض”، أو تُصنّف خائنًا. ويعود إلى ذاكرة الثورة العربية الكبرى التي قامت ضد الخلافة العثمانية باسم القومية العربية، ليقول إن هيئة تحرير الشام تعيد اليوم خلط الأوراق الأيديولوجية، وتسعى لإلغاء التمايز بين الإسلام والعروبة، معتبرة أن العروبة مجرد مكوّن داخل وعاء إسلامي أكبر.

وتتجلى معالم هذا المشروع – حسب رأيه – في تغييب أي إشارة إلى الاحتلال العثماني في المناهج الجديدة، والإصرار على اعتباره “حكمًا إسلاميًا شرعيًا”، إضافة إلى منح الجنسية للجهاديين الأجانب، بل وعدم اشتراط الجنسية السورية أو حتى العربية لرئاسة الجمهورية، مادام المرشح مسلمًا. إنها دولة قد يُحكمها أفغاني أو شيشاني باسم الشريعة، ما دامت البوصلة الدينية هي المعيار.

ثائر ديب: الإجرام يعيد إنتاج نفسه تحت رايات مختلفة

من جانبه، كتب المترجم البارز ثائر ديب منشورًا قصيرًا لكنه مكثف الدلالة، عبّر فيه عن غضبه مما اعتبره تعمية على المجازر التي تُرتكب اليوم بحق المدنيين. قارن بين الصامتين على الجرائم الحالية والصامتين على جرائم النظام السابق، معتبرًا أن الإجرام لا يتغير بل يُعاد إنتاجه تحت رايات مختلفة، وأن أمهات الشهداء – من ريف اللاذقية إلى حي الميدان في دمشق – يتشاركن نفس الوجع ونفس العزاء.

حسام الدين درويش: الخطر دولة عصبية سنية

أما الباحث والمفكر حسام الدين درويش، فقد قدّم مداخلة طويلة حاول فيها التوفيق بين الواقع القائم والمأمول. أقرّ بوضوح بوقوع مجازر ذات بعد طائفي في الساحل السوري، لكنه شدد أيضًا على أن الانهيار القائم ليس إلا عقابيل حكم أسدي طويل، لا يلغي ذلك مسؤولية المجرمين الجدد. حذّر درويش من أن سوريا تسير نحو تشكيل دولة “سنية سياسية”، وهو مسار لا يعني بالضرورة أن السنة سيكونون رابحين، بل إن الجميع سيكون خاسرًا.

ويختم بالقول إن سوريا اليوم، وإن كانت أقل سوءًا من حقبة الأسد من بعض الزوايا، إلا أنها بعيدة كل البعد عن الدولة المدنية المنشودة. وبين الأمل والانكسار، يظل الحراك المدني القائم الآن – رغم هشاشته – هو الرهان الأخير، في وقت لم يعد أحد يراهن على السياسة، بل على الحدّ الأدنى من النجاة الإنسانية.