في أكتوبر/تشرين الأول 1973، كان محمد الزواري طفلا لم يتجاوز الست سنوات وقد انطلق لتوه في المراحل الأولى للتعليم الابتدائي بمتاعب تعود إلى جسد أنهكه مرض الربو الحاد، فتكفلت والدته بحمله على ظهرها يوميا إلى المدرسة ثم انتظاره لإعادته إلى منزلهما المتواضع وسط مدينة صفاقس.
ذلك الطفل، أصبح بعد أربعة عقود مهندسا بارعا قضى نصف حياته مطاردا يحلم بالحصول على شهادة هندسة باسمه الحقيقي في بلده تونس التي عاد إليها بعد عقدين من حل وترحال، لينجح لاحقا في تحقيق نصف حلمه الأكاديمي. حلم أوقفه الرصاص أشهرا قليلة قبل مناقشته رسالة الدكتوراه التي توجت مشروع تخرجه باختراع طائرة من دون طيار مكنته من تحقيق حلمه الكبير بأن يقترن اسمه بقضية فلسطين.
كان بيان لـ”كتائب عز الدين القسام” الجناح العسكري لـ”حماس” الذي صدر بعد يوم من بدء عملية “طوفان الأقصى” كافيا ليتحول محمد الزواري إلى أحد مراكز اهتمام مختلف وسائل الإعلام في تغطية تطورات العملية الجارية؛ إذ أشار البيان إلى أن سلاح “حماس” الجوي شارك بـ35 مسيرة انتحارية من طراز “الزواري” في جميع محاور القتال، وساهم في التمهيد الناري لعبور مقاتليها إلى الأراضي المحتلة.
عاش محمد الزواري متنقلاً بين عدة بلدان في رحلته ليصبح مهندساً غير اعتيادي. أمضى فترات من حياته بين المطاردة والاعتقال، حتى اغتيل عام 2016.
وأطلقت حركة حماس اسم “الزواري” على طائرات مسيّرة انتحارية استخدمتها خلال الحرب مع إسرائيل في قطاع غزة وغلافها.
وهذه ليست المرة الأولى التي تختار الحركة اسم الزواري لتطلقه على أسلحة جديدة تكشف عنها.
ففي مايو/أيار عام 2021، أعلنت حماس عن غواصة ذاتية القيادة وطائرة مسيرة تحملان اسم المهندس التونسي.
وقال رضوان الزواري، شقيق محمد، في حديث لصحيفة “العربي الجديد” إن “30 طائرة من الطائرات الخاصة به تستعمل في معركة طوفان الأقصى”.
فمن هو محمد الزواري؟
ولد الزواري في عائلة مسلمة محافظة، في مدينة صفاقس التونسية أواخر شهر يناير/كانون الثاني 1967، وتلقى تربية دينية إلى جانب المدرسة.
انضم في شبابه إلى حركة النهضة، التي كانت تعرف باسم “الجماعة الإسلامية”، وهي تتبع فكر الإخوان المسلمين.
تسبّب نشاطه الطلابي في الحركة باعتقاله عدة مرات خلال فترة حكم الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، وكان الزواري عضواً في قيادة الاتحاد العام التونسي للطلبة في مدينة صفاقس.
وفي العام 1991، فرّ إلى ليبيا، وقضى هناك ستة أشهر قبل الانتقال إلى سوريا، وقضى فيها المدة عينها، وتزوج من سورية.
وأقام الزواري ستة أعوام لاجئاً في السودان، ثم انتقل إلى السعودية ليبقى فيها شهراً واحداً، قبل أن يعود إلى سوريا ليعمل في شركة صيانة.
الانضمام إلى حماس
انضم الزواري إلى القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، عام 2006، ليبدأ العمل على مشروع صناعة طائرة من دون طيار، بالتعاون مع ضابط كبير في الجيش العراقي، وأطلق على الطائرة اسم “إس إم”، نسبة إلى اسم الضابط العراقي نفسه.
وبحلول الحرب الإسرائيلية مع غزة عام 2008، كان الزواري قد أنجز 30 طائرة من دون طيار بالتعاون مع فريق متخصص من القسام.
وقضى الزواري بين 2012 و2013 تسعة أشهر في قطاع غزة، ليستكمل هناك مشروعه، وليشرف على طائرة “أبابيل1” التي استخدمتها القسام خلال الحرب مع إسرائيل صيف عام 2014.
وزار الزواري مع فريق من مهندسي القسام إيران، والتقى خبراء مختصين في مجال صناعة الطائرات من دون طيار.
وعاد إلى تونس بعد سقوط نظام بن علي إثر الثورة التونسية عام 2011، وهناك تخرج من المدرسة الوطنية لمهندسين بصفاقس عام 2013، وكان مشروع تخرجه اختراع طائرة من دون طيار.
محمد الضيف: ماذا قال قائد كتائب القسام في إعلانه بدء عملية “طوفان الأقصى”؟
قرار إسرائيل بقطع الإمدادات عن قطاع غزة ينذر بتفاقم الوضع الإنساني
وعمل أستاذاً جامعياً بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس، وأسّس مع عدد من طلبته وبعض الطيارين المتقاعدين نادي الطيران النموذجي بالجنوب.
الاغتيال
اغتيل الزواري بوابل من الرصاص أمام منزله في مدينة صفاقس، ظهر يوم 15 من أكتوبر/تشرين الأول 2016. وبينما أعلنت حماس أنه أحد قادتها، اتهمت الحركة جهاز المخابرات الإسرائيلي، الموساد، باغتياله.
وتبيّن بعد مقتله، أنه كان يحضّر لشهادة الدكتوراه لصناعة غواصة يمكن التحكم بها عن بعد.
وعرف أن منفذي العملية من الجنسية البوسنية، لكن البوسنة رفضت تسليمهم لتونس.