اخر الاخبار

العراق يواجه أسوأ أزمة مائية في تاريخه بتقنيات ري “بدائية”

تعيش الزراعة العراقية واحدة من أشد أزماتها، إذ تسببت...

الداخلية: فيديو شرطي المرور المرتشي قديم.. والعقوبة نُفذت منذ سنوات

أكدت وزارة الداخلية، اليوم الثلاثاء، أن مقطع الفيديو الذي...

رحيل أيقونة هوليوود روبرت ريدفورد عن 89 عاماً

توفي اليوم الممثل والمخرج الأمريكي الشهير روبرت ريدفورد عن...

بعد إصدار النشرة الحمراء.. استرداد مسؤول عراقي هارب منذ 2013

أعلنت هيئة النزاهة الاتحادية، اليوم الثلاثاء، عن استرداد المدير...

ذات صلة

من الإنترنت إلى الشارع.. ما الذي يميز جيل زد عن الأجيال السابقة؟

شارك على مواقع التواصل

في غضون أيام قليلة فقط، تحولت احتجاجات طلابية وغاضبة على حظر حكومي لمواقع التواصل الاجتماعي في نيبال إلى موجة عارمة قادتها فئة عمرية محددة: جيل “زد”.

انتهت الموجة باستقالة رئيس الوزراء، وتكليف رئيسة الوزراء المؤقتة سوشيلا كاركي، وحلّ البرلمان، وتحديد موعد لانتخابات عامة في آذار/مارس المقبل. على الأرض، كانت الجامعات وساحات كاتماندو تموج بآلاف الشبان الذين يستخدمون الإنترنت كمنصة تعبئة ومراقبة، ويحمّلون الطبقة السياسية مسؤولية التفاوت والامتيازات.

ومع رفع حظر التجوال وعودة الهدوء، بدا واضحاً أنّ التغيير السياسي الذي فُرض في الشارع كان، إلى حد بعيد، بصمة جيل يعيش ويتحرك عبر التطبيقات، ويقيس ثقته بالحكومات بمدى شفافيتها على الشاشات. وزارة الداخلية أكدت سقوط عشرات الضحايا خلال الأحداث، فيما ثبّتت الرئاسة تكليف كاركي على رأس حكومة انتقالية، على أن تُجرى الانتخابات في مارس/آذار 2026، وفق ما أوردته وكالات أنباء عالمية.

من هم أبناء “زد”؟

لم يكن مشهد نيبال معزولاً عن سياق إقليمي ودولي أوسع: شبكات شبابية متعلمة، متصلة على مدار الساعة، ترى أن “السلطة” اليوم لا تُقاوَم بالخطب المقدسة بقدر ما تُختبر في بثّ حيّ، وتعليق قصير، وهاشتاغ يلتقط اللحظة ويوسّعها. في نيبال تحديداً، كان حظر المنصات الشرارة التي أشعلت غضباً تراكم طويلاً حول المحسوبية وامتيازات أبناء النخبة، قبل أن يتطور إلى اقتحامات وحرائق لمبانٍ حكومية ورحيل رئيس الوزراء كيه بي شارما أولي. قرار التكليف، الذي حمل سوشيلا كاركي إلى رئاسة حكومة انتقالية، اعتُبر استجابة لمطلب “جيل زد” المتوجس من الأحزاب التقليدية والداعي إلى شخصية قضائية صارمة في الفساد، لكنه فتح أيضاً نقاشاً دستورياً حول سابقة تعيين قاضٍ متقاعد في السلطة التنفيذية.

لكن من هو “جيل زد” الذي يُنسب إليه هذا التأثير السياسي؟ حسب مركز بيو للأبحاث، يعتمد باحثون وصحافة متخصصة نقطة بدء رمزية للجيل عند عام 1997، باعتباره الحدّ الفاصل بعد جيل الألفية (واي)، لينتهي تقريباً عند 2012، وإن ظلّ هامش الأعوام محل جدل بين المؤسسات والدول. جاء الاسم امتداداً بسيطاً للتسلسل الأبجدي بعد “إكس” و“واي”، ثم سرت تسميات شعبية مثل “زوومرز”، فيما ثبّتت قواميس مرموقة (ميريام-ويبستر وأكسفورد) تعريفات متقاربة للجيل بوصفه مواليد أواخر التسعينيات وبدايات الألفية الثانية. الأهم تحليلياً أن بيو ميّز هذا الجيل بتجارب تشكيلية مختلفة: الهواتف الذكية والإنترنت في سن مبكرة، وأحداث ما بعد 11 سبتمبر/أيلول، وأزمة مالية كبرى طبعت طفولتهم ومراهقتهم.

جيل رقمي

هذا التعريف العمري ينعكس سلوكاً وثقافة استهلاك: فهم “رقميون مولودون” لا متحوّلون، يتوقعون خدمات آنية وتجارب مخصّصة عبر قنوات متعددة، من شاشة الهاتف إلى المتجر. دراسات سوقية كبرى تبيّن أن هذا الجيل، رغم قلقه المالي، يقود توجهات أصيلة في التسوق: يطلب شفافية وأصالة من العلامات التجارية، ويتوقع مواءمة قيمية حول البيئة والعدالة والحوكمة، ويكافئ الشركات التي تتواصل معه بصدق وتترك له مساحة للتعبير والمشاركة. ومع أن بعض المسوح تُظهر أن الاستدامة ليست دائماً الحافز الأول للمقاطعة، إلا أن حساسية “القيمة/المبدأ” باتت عنصراً مركزياً في قرار الشراء لدى نسبة معتبرة منهم. هذا التحول يضغط على شركات التجزئة لتجديد قنواتها وخطابها وتصميم منتجاتها، وإلا خسرت جيلاً لا يصفح عن التسويق المتصنّع.

اقتصادياً، يخرج جيل زد من خانة “المستهلك الناشئ” إلى لاعب رئيسي.

تقديرات بنك أوف أميركا تشير إلى قفزة هائلة في دخله وثروته خلال العقد المقبل، مع إنفاق عالمي متوقع يتجاوز 12 تريليون دولار بحلول 2030، وكتلة دخل تتصاعد سريعاً حتى 2040، فضلاً عن دور “التحويلات الوراثية للثروة” من الآباء والأجداد. وبينما يعاني كثيرون منهم ارتفاع تكاليف المعيشة وصعوبة بناء مدخرات للطوارئ، فإن قدرتهم على إعادة تشكيل أنماط الاستهلاك تبدو مؤكدة، ومرشحة لتغيير أسواق كاملة من الطعام والموضة إلى الخدمات المالية والترفيه الرقمي.

لكن الصورة ليست وردية تماماً. فالدفق الرقمي نفسه الذي مكّن هذا الجيل من التنظيم السياسي في نيبال، يضاعف أيضاً أعباء الصحة النفسية. تحليلات حديثة في دورية “بلوس وان” تسجل تبدلاً في أنماط الرفاه/السوء عبر الأعمار في الولايات المتحدة وبريطانيا، مع عبء أعلى على الشباب مقارنة بالأجيال الأكبر، وهو ما يتسق مع مسوح عالمية متتابعة لِديلويت تُظهر معدلات مرتفعة من الضغط والقلق بين شباب الجيل، ودور العوامل المالية والوظيفية والمناخية في تشكيل هذا القلق. بعبارة أخرى: يعيش “زد” اتصالاً دائماً يُكسبه يقظة سياسية واجتماعية، لكنه يراكم أيضاً توتراً وجودياً لا تخففه الإشعارات.

حياة حول منصات التواصل

اجتماعياً وثقافياً، تُظهر أبحاث بيو أن حياة المراهقين والشباب في الولايات المتحدة—وهي مؤشر واسع للتوجهات العالمية—تدور حول يوتيوب وتيك توك وسناب شات وإنستغرام، مع حضورٍ آخذ بالتراجع لفيسبوك. تكشف هذه المسوح نسب استخدام يومي مرتفعة للغاية، ووصف نسبة معتبرة لتجربتهم بأنها “دائمة تقريباً”، ما يعيد طرح أسئلة السياسات العامة حول الإدمان الخوارزمي، والخصوصية، وجودة المعلومات المتدفقة عبر الشاشات الصغيرة.

لا بصمة ولا عزلة

في سوق العمل، لا يريد جيل زد العودة إلى ساعات “البصمة” القديمة، لكنه لا يطلب عزلةً تامة خلف الشاشات. تظهر تقارير مهنية وصحافية أن الأولوية لديه هي “المرونة العادلة”: جداول عمل إنسانية، وإمكانية التعلم والتطور، وتواصل حقيقي مع قادة الفرق، وأجور شفافة. المفارقة أن نسبة غير قليلة منهم تفضّل الحضور الجزئي لا العمل عن بُعد الكامل، طلباً للتوجيه والعلاقات التي يصعب بناؤها افتراضياً. مسوح ديلويت لعام 2025 تؤكد هذه الثيمات: المعنى في العمل، التوازن مع الحياة، والصحة النفسية عناصر مركزية في تقييم أي وظيفة.

جيل الخوارزميات

ما يميز “زد” عن الأجيال الأخرى ليس الولع بالتقنية فحسب—فجميع الأجيال تتبنى التقنية حين تتاح—بل طريقة تملّكه لها لتصبح امتداداً للهوية والاحتجاج والشراء والعمل. جيل “إكس” تشكل وعيه في عالم ما قبل الشبكات، وجيل الألفية عبرها، أما “زد” فكوّن ذاته عبر خوارزميات تتقاطع فيها السياسة مع الترفيه مع تجارة المؤثرين، وتُنقل فيها معاركه اليومية إلى بث مباشر. لذلك كان طبيعياً أن يتحول حظر المنصات في نيبال إلى نقطة تصادم وجودية: قرارٌ يُقرأ عندهم كقيدٍ على النفس قبل أن يكون تنظيماً للسوق، فتندفع الجموع مطالِبةً بمحاسبة وشفافية، وتفتح نافذة انتقال سياسي لا يُفهم بعيداً عن جغرافيا الـ“فور يو”.

أخيراً، تبدو قصة جيل زد في نيبال تلخيصاً مكثفاً لعقد كامل من تحولات الشباب عالمياً: قوة استهلاكية صاعدة، أدوات رقمية فائقة التأثير، توقٌ لسياسات تقلل الفجوات وتعترف بالكرامة، ومخاوف ملموسة من تكاليف المعيشة وتدهور البيئة والقلق النفسي.

قد تختلف تواريخ الميلاد على الهامش، لكن ما لا يختلف هو أن هذا الجيل بات يفرض على الشركات والحكومات معاً اختباراً مزدوجاً: هل تستطيع أن تتحدث بلغته وقيمه—صراحةً وشفافيةً—وتعيد بناء الثقة معه؟ أم أنك ستكتشف، كما حدث في كاتماندو، أن الشارع المتصل قادرٌ على تحويل سخطه الرقمي إلى واقع سياسي خلال أيام؟