يشهد حقل غرب القرنة 2 في محافظة البصرة، أحد أكبر الحقول النفطية في العراق والعالم، أزمة مركّبة منذ الأسبوع الماضي، بعد أن أعلنت شركة لوك أويل الروسية المشغّلة للحقل حالة القوة القاهرة (Force Majeure)، نتيجة ضغوط مالية وعقوبات غربية متصاعدة طالت الشركة خلال الأسابيع الماضية، وهو ما انعكس بشكل مباشر على العاملين العراقيين داخل الحقل، وخلق حالة من القلق بشأن مستقبل أحد أعمدة الإنتاج النفطي في البلاد.
رواتب متأخرة ومخاوف من ضياع الحقوق
العاملون العراقيون في الشركة أكدوا أن تأثيرات الأزمة ظهرت بوضوح منذ شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، مع تأخر صرف الرواتب عن موعدها القانوني للمرة الأولى منذ سنوات. ويقول عدد منهم أنه منذ تشرين الأول الماضي، لم تُصرف رواتبهم في موعدها المحدد، ومع إعلان القوة القاهرة زادت المخاوف بشأن استمرارهم بالعمل وضمان حقوقهم.
ويشير العاملون إلى أنهم يواصلون أداء مهامهم اليومية “بالتزام كامل”، لكنهم يواجهون “مخاطر حقيقية” تتعلق بتكرار تأخر الرواتب، واحتمال بيع أو تحويل ملكية الحقل، إضافة إلى غياب أي تطمينات رسمية من الشركة المشغّلة أو من شركة نفط البصرة.
وطالب الموظفون وزارة النفط بتحديد موقفها من الأزمة الحالية، وبيان الإجراءات التي ستتخذها لضمان عدم المساس بحقوق العاملين في حال استبدال المشغّل، بما يشمل الرواتب والدرجات الوظيفية والخدمة ومكافأة نهاية الخدمة.
ويستند العاملون إلى قانون العمل العراقي رقم 37 لسنة 2015، الذي ينصّ في المادة (37) على أن الأصل في عقود العمل أن تكون مفتوحة المدة، وفي المادة (42) على أن انتقال الملكية أو تغيير صاحب العمل لا يلغي عقود العاملين، بل تنتقل بكامل حقوقها إلى المشغّل الجديد. وبناءً على ذلك يطالبون بأن تكون عقودهم “مرتبطة بمدة عقد تشغيل الحقل” لضمان استمرارية العمل ومنع تقليص الكادر العراقي.
حقلٌ بحجم دولة
يُعد حقل غرب القرنة 2 واحداً من أهم الحقول الاستراتيجية التي يعوّل عليها العراق لتأمين عوائده المالية وخططه التوسعية بالإنتاج.
وتبلغ طاقة الحقل الإنتاجية نحو 480 ألف برميل يومياً، بواقع 450 ألف برميل من مكمن المشرف، و30 ألف برميل من مكمن اليمامة. ويمثّل مكمن المشرف وحده قرابة 10% من إجمالي إنتاج العراق النفطي، ما يجعل أي اضطراب فيه قضية وطنية ذات تداعيات اقتصادية مباشرة.
وفي تشرين الثاني/2023، وقّعت لوك أويل اتفاقية تكميلية لتمديد عقد تطوير الحقل حتى عام 2045، في إطار خطة لزيادة طاقته الإنتاجية ودعم هدف العراق في الوصول إلى 8 ملايين برميل يومياً بحلول عام 2027.
أبعاد الأزمة
الأزمة الحالية ليست محلية المنشأ، بل ترتبط مباشرة بالعقوبات الأميركية والبريطانية الأخيرة على شركات النفط الروسية، وفي مقدمتها لوك أويل وروسنفت، والتي بدأت أواخر تشرين الأول/أكتوبر 2025. وتشير التقارير الدولية إلى أن العقوبات خلقت سلسلة من الآثار، أبرزها: تعطّل تحويل المدفوعات من العراق إلى الشركة بسبب خوف المصارف من العقوبات الثانوية. وإلغاء شحنات نفط مرتبطة بلوك أويل بسبب إحجام شركات النقل والتجارة العالمية عن التعامل مع شركات مدرجة على قوائم العقوبات.
ويتخوف مراقبون من انسحاب الشركة خلال ستة أشهر إذا لم تُعالج الإشكالات المالية والقانونية. ولأن لوك أويل تعد المشغّل الرئيسي لغرب القرنة 2، فإن أي توقف في عملها سيعني اضطرابًا حادًا في واحد من أهم مصادر النفط العراقي.
5 حلول مقترحة
في ظل هذه التطورات، طرح مرصد “إيكو عراق” خمسة مقترحات للحكومة العراقية لضمان استمرار عمل الشركات الروسية، ولتفادي تعطّل الإنتاج في الحقول التي تشغّلها، سواء في البصرة أو إقليم كردستان. وشملت المقترحات:
إنشاء واجهات قانونية جديدة عبر تأسيس شركات فرعية في دول ثالثة مثل الإمارات أو الصين أو تركيا، لتجنّب الاصطدام المباشر بالعقوبات الأميركية.
تسديد المستحقات المالية بعملات بديلة عن الدولار، مثل الروبل أو اليوان، عبر بنوك لا تخضع للرقابة الأميركية.
تأسيس شركات خدمية مشتركة عراقية – روسية تعمل كغطاء قانوني يتيح استمرار الشركات الروسية باعتبارها “مزودًا تقنيًا” فقط.
الحصول على استثناء أميركي أو أوروبي يسمح باستمرار عمل هذه الشركات، على غرار الاستثناءات التي مُنحت سابقًا للعراق عند استيراد الغاز الإيراني.
إشراك أطراف ثالثة، مثل الشركات الصينية والهندية، في إدارة الحقول مع بقاء الروس شركاء تقنيين، لتقليل المخاطر القانونية وضمان تدفق الإنتاج.
