اخر الاخبار

سبقت هدنة ترامب.. اليمنيون: ضربنا حاملة الطائرات ترومان.. والأمريكان خسروا مقاتلة f-18

أعلنت القوات المسلحة اليمنية تنفيذ عمليتين عسكريتين استهدفت الأولى...

الجولاني يصافح يد نتنياهو عبر محادثات سرية تقودها الإمارات

أفادت ثلاثة مصادر مطلعة لوكالة "رويترز"، بأن الإمارات تتوسط...

العراق يدعو الهند وباكستان إلى حل المشكلات والتوترات بالطرق السلمية والدبلوماسية

  وجهت الحكومة العراقية، اليوم الأربعاء، دعوة إلى الهند وباكستان...

السفارة الأمريكية تبلغ قطر بأنها غير معنية بتأمين حماية أحمد الشرع في بغداد

  أفاد مصدر مطلع، اليوم الأربعاء، بأن السفارة الامريكية في...

الخنجر يخرج بكفالة لحين إكمال التحقيقات وإرسال التسريب الصوتي للأدلة الجنائية

  افاد مصدر قضائي مطلع، اليوم الاربعاء، بخروج رئيس تحالف...

ذات صلة

أهوار الجبايش: للسياح أسابيع قليلة وللجفاف صيفٌ كامل

شارك على مواقع التواصل

في جنوب العراق، وتحديدًا في محافظة ذي قار، تمتد أهوار الجبايش بوصفها واحدًا من أقدم النظم البيئية الرطبة وأكثرها ثراءً في بلاد الرافدين. لقرون طويلة، شكّلت هذه الأهوار موئلًا طبيعيًا للطيور المهاجرة، والجاموس، والأسماك، ومصدر رزق للمجتمعات المحلية التي عاشت على ضفافها، ومثّلت مع الوقت رمزًا للتوازن بين الإنسان والماء والطين.

من مشاحيف القصب إلى عدسات السياح

في السنوات الأخيرة، شهدت أهوار الجبايش تحوّلًا لافتًا، بعد أن باتت تُدرَج في كتيّبات السفر العالمية بوصفها “جنة مائية منسية”. فمع إدراج الأهوار ضمن لائحة التراث العالمي لليونسكو عام 2016، تسارعت خطى الزوار، ولا سيما من دول أوروبا الوسطى والشرقية، لاكتشاف هذا الإرث البيئي الفريد.

في موسم الذروة السياحية، والذي يمتد بين نهاية الشتاء وبداية الربيع، تستقبل الجبايش ما بين 500 إلى 600 سائح. يركب الزوّار “المشاحيف” – الزوارق التقليدية المصنوعة يدويًا من القصب – ويتنقّلون في ممرات مائية تحفّها نباتات البردي، ويقضون لياليهم في مضائف مشيدة على النمط المحلي باستخدام المواد الطبيعية ذاتها.

سياحة موسمية في مناخ متقلّب

رغم الانتعاش السياحي النسبي، يبقى موسم الزيارة قصيرًا ومحكومًا بعوامل بيئية دقيقة. فمع بداية الصيف، ترتفع درجات الحرارة إلى مستويات مرهقة تتجاوز 50 درجة مئوية، وتجف قنوات المياه تدريجيًا، ما يؤدي إلى تحوّل الأهوار إلى مستنقعات راكدة، تتكاثر فيها الحشرات والبعوض. ويزيد من قسوة المناخ غياب الغطاء الشجري الذي يجعل المنطقة مكشوفة تمامًا لأشعة الشمس.

تشير بيانات رسمية وبيئية إلى أن نسبة الجفاف في أهوار الجبايش تجاوزت 80% من مساحتها خلال السنوات الأخيرة. فبينما كانت المساحة المغمورة بالمياه تقدر بنحو 4500 كيلومتر مربع في العقود الماضية، تراجعت حاليًا إلى أقل من 1400 كيلومتر مربع.

هذا الانحسار المائي أسفر عن خسائر جسيمة في الثروة الحيوانية والسمكية: إذ قُدّرت نسبة نفوق الجاموس بـ33%، فيما تضاءل مخزون الأسماك بنسبة تفوق 90%. ولم تقتصر التداعيات على البيئة فحسب، بل طالت حياة السكان، حيث تشير تقارير محلية إلى نزوح أكثر من 1500 شخص من سكان الأهوار خلال الأشهر الستة الأخيرة، بسبب فقدان مصادر المياه والدخل.

لا تُفهم أزمة الجفاف بمعزل عن العوامل الجيوسياسية والمناخية المعقدة. فقلة الإطلاقات المائية من دول المنبع، خصوصًا تركيا وإيران، بسبب مشاريع السدود وتحويل مجاري الأنهار، لعبت دورًا مركزيًا في تعميق الأزمة. إلى جانب ذلك، يُسهم تغيّر المناخ في تسارع التبخر وندرة الأمطار، مما يضاعف هشاشة النظام البيئي في الأهوار.

ما تبقّى من الماء: إرث ينتظر القرار

مع استمرار تدهور الوضع، أطلق ناشطون بيئيون ومنظمات محلية حملات للضغط من أجل تخصيص حصص مائية ثابتة للأهوار، وإعادة تأهيل البنية المائية، وتطوير أنظمة الإدارة البيئية بالتعاون مع السكان المحليين، الذين يُعدّون حماة هذا التراث الطبيعي.

كما دعت منظمات دولية إلى اعتبار الأهوار منطقة ذات أولوية بيئية عاجلة، تستدعي تدخلًا تنمويًا وإنسانيًا، في ظل التهديدات المتصاعدة بانقراض نماذج نادرة من الحياة البرية واندثار نمط حياة بشري قائم على الماء والقصب.

رغم كل ذلك، لا تزال أهوار الجبايش تحتفظ بجمالها في مواسمها القصيرة، وتستمر في اجتذاب من يتوقون إلى تجربة نادرة خارج الزمن الصناعي الحديث. غير أن مصير هذا المكان يظل معلقًا بين السياسات المائية الإقليمية ومشاريع التنمية الغائبة.