أثار مقطع فيديو قصير نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي في العراق، يُظهر لحظة إزالة تمثال العلامة الدكتور مصطفى جواد من مدخل قضاء الخالص بمحافظة ديالى، موجة من الجدل والغضب.
في المقطع، تظهر آلية حفر ضخمة وهي تُسقط التمثال أرضاً وسط غبار كثيف، بطريقة اعتبرها كثيرون “مهينة” لرمز فكري وثقافي شكّل أحد أعمدة اللغة العربية في القرن العشرين.
الفيديو انتشر كالنار في الهشيم، مرفقاً بتعليقات غاضبة، وصور قديمة للتمثال وهو يتوسط الطريق الرابط بين بغداد وكركوك، وقد غدا أحد أبرز ملامح المدينة لسنوات طويلة.
توضيح رسمي من المحافظة
في خضم الجدل، زار محافظ ديالى عدنان محمد عباس الشمري موقع الفلكة في الخالص، مؤكداً أن ما جرى كان “عملاً تنفيذياً خاطئاً” من قبل المهندس المشرف، وأن إزالة التمثال تمت “بصورة غير صحيحة”.
وقال الشمري في تصريح نقله مكتبه الإعلامي: “هذا رمز للمدينة، سنقوم باستبداله نعم، لكن يجب رفعه بصورة صحيحة”.
وأضاف أن التمثال أُزيل ضمن مشروع لتأهيل فلكة الخالص، وأن المحافظة تعاقدت مع شركة مختصة لنصب تمثال جديد يليق باسم العلامة مصطفى جواد، مشيراً إلى أن عملية الإعمار لا تعني إهمال الرموز الثقافية، بل ينبغي أن تتم بعناية واحترام يوازي مكانتهم.

غضب في الشارع ووسائل التواصل
ردود الفعل الشعبية كانت سريعة وحادة. فقد امتلأت صفحات العراقيين على «فيسبوك» و«إكس» بتعليقات غاضبة على طريقة الإزالة، معتبرين أن ما حدث «إهانة لتاريخ العراق الثقافي».
كتب أحد المعلقين: “لو كان الموجودون من سائق الجرافة إلى المهندس المشرف يعرفون من هو مصطفى جواد، لأنزلوا تمثاله بهدوء وعناية، ونقلوه لمكان آخر احتراما له”.
وكتب آخر: “بعد سنوات من الوقوف شامخاً، يحمل كراسة العلم، أُسقط تمثال مصطفى جواد كأنه حجر بلا ذاكرة”.
آخرون تساءلوا عن غياب الحس الفني والهندسي في التعامل مع التماثيل الرمزية، قائلين: “حتى لو كان التمثال متهالكاً، هناك طرق هندسية لإزالته من دون إسقاطه بهذه الصورة”.
بينما كتب أحد المواطنين بمرارة: “ماكو فايدة، لا خليتو رمز ولا خليتو شي يدعو للفخر… فشل بفشل”.
من بين التعليقات التي لاقت تداولاً واسعاً، نصٌ طويل وصف الحدث بأنه “مشهد يختصر الطريقة التي نتعامل بها مع تاريخنا». جاء فيه: “كان الأجدر أن يُنقل تمثال الأديب الكبير مصطفى جواد باحترام يليق بمكانته، فالإعمار جميل حين يصحبه وعي، لكن المؤلم أن يُنفّذ بلا حسّ بالرمز ولا اعتبارٍ لتاريخٍ صنع وجدان أمة”.
من هو مصطفى جواد؟
وُلد مصطفى جواد عام 1904 في محلة القشلة ببغداد، وتعود أصول عائلته إلى قضاء الخالص في ديالى. يعد من أبرز علماء اللغة العربية والمؤرخين العراقيين في القرن العشرين.
بدأ حياته المهنية معلماً، قبل أن يُبتعث إلى جامعة السوربون في باريس، حيث حصل على الماجستير والدكتوراه عن أطروحته حول الخليفة العباسي «الناصر لدين الله».
اشتهر ببرنامجه الإذاعي الشهير “قل ولا تقل”، الذي علّم أجيالاً من العراقيين قواعد العربية السليمة بأسلوب مبسط وشعبي.
ألف أكثر من 46 كتاباً، وأتقن أربع لغات: الفرنسية والإنكليزية والتركية والفارسية. كما ساهم في توثيق معاجم لغوية وتاريخية لا تزال تُعد مرجعاً في الدراسات العراقية والعربية حتى اليوم.
توفي في بغداد عام 1969، وبقي اسمه علامة فارقة في الثقافة العراقية الحديثة، إذ يُعد رمزاً للعلم والانضباط اللغوي، وذاكرة تربط الجيلين القديم والجديد بالهوية العربية الأصيلة.
