بدأت قصة الباكستانيين المختفين في العراق، بتقرير نشرته صحيفة “ذي نايشن” الباكستانية الناطقة باللغة الإنكليزية، التي قالت، الخميس الماضي، إن اللجنة الدائمة للشؤون الدينية والوئام بين الأديان في مجلس الشيوخ، “ناقشت مسألة اختفاء 50 ألف زائر باكستاني في العراق حتى الآن”، وبحسب الصحيفة، فإن وزير الشؤون الدينية الباكستاني شودري حسين، قال إن عدداً كبيراً من الزائرين الباكستانيين “اختفوا في العراق خلال السنوات الماضية”.
نتيجة لذلك، اقترحت اللجنة “سياسة جديدة للرحلات إلى الأماكن المقدسة في بلدان مختلفة”، من بينها العراق، وقد تم إرسالها إلى مجلس الوزراء الفيدرالي للموافقة عليها، مبينة أن “جوازات سفر الباكستانيين يتم جمعها وحجزها عند المنافذ الحدودية من العراقيين، قبل أن ينتظموا في قوافل تنقسم إلى 136 مجموعة”.
اللافت في هذا التقرير، إنه تزامن مع إعلان الشرطة العراقية اعتقال 6 باكستانيين في إحدى مناطق بغداد يقومون بأعمال “التسليب”، كما اتهمت القوات العراقية باكستانياً فتح النار على مصلين قبل نحو ثلاثة أشهر في منطقة الأعظمية ببغداد، وإعلان الاستخبارات العسكرية الإطاحة بعصابة خطف وابتزاز مكونة من 9 باكستانيين في منطقة الشعب ببغداد، مبينة أنها تخطف أجانب وتساومهم على مبالغ مادية.
“إيشان” تحرَّت تفاصيل ملف اختفاء الباكستانيين، وعلمت من مصادر أمنية، أن “باكستانيين بأعداد كبيرة دخلوا إلى العراق خلال السنوات الماضية، ضمن جموع الزائرين الإيرانيين إلى المراقد المقدسة في كربلاء والنجف، وتحديداً في توقيتات زيارات العاشر من محرم والأربعينية، وسرعان ما يختفون لأجل البحث عن العمل، دون أن يحملوا جوازات أو أية أوراق ثبوتية”.
وأضافت المصادر، أن “الرقم الذي تم تداوله، وهو 50 ألف باكستاني، مبالغ فيه، لأن الأعداد أقل من هذا الرقم”، مبينة أن “بعض الشركات العاملة في مجال توفير العمالة الأجنبية متورطة في استقبال وتشغيل هؤلاء الباكستانيين، وهي توفر لهم الدعم عند وصولهم من الأكل والإيواء والاحتياجات الأساسية إلى حين تشغيلهم”.
كما تمكنت “إيشان“، من التواصل مع عامل باكستاني يعمل في مركز مساج رجالي بمدينة الصدر، لكنه اشترط عدم ذكره اسمه، وقال إنه “دخل إلى العراق ضمن جموع الزوار الإيرانيين خلال الزيارة الأربعينية، قبل ثلاثة أعوام، وتمكن من العمل في البداية العمل في كربلاء ثم انتقل إلى بغداد للعمل في (مول) ثم عامل خدمة في محل للمواد الغذائية ثم في مجمع تجاري”، مؤكداً أنه “ينتظر انتهاء الزيارة الأربعينية القريبة، كي يعود لزيارة أهله في باكستان”.
وبالرغم من المجازفة التي يقدم عليها هذا العامل، إلا أنه بيَّن أن “هذه الطريقة الوحيدة التي يستطيع الدخول فيها إلى العراق، في ظل التعقيدات من وزارتي العمل والداخلية لحصوله على العمل”، لكنه اعترف بعد ذلك، بأنه “اتخذ هذا الطريق في الدخول إلى العراق، للهرب من دفع الرسوم الأولية والسنوية في حال لو أنه دخل بصيغة نظامية”.
كما لفت إلى أن “دخولهم يتم بالتنسيق مع بعض مكاتب التشغيل الموجودة في عموم المحافظات، ويتم الاتفاق عن عبر استقطاع جزء من الرواتب الشهرية للعامل كحصة أو ضريبة شهرية للمكتب الذي يرعى العامل في حال تعرض إلى مشاكل قانونية أو أمنية”.
في السياق، قال معاون مدير قسم الأجانب في وزارة العمل زيد الركابي، لـ”إيشان“، إن “جميع البلدان العربية وغير العربية يوجد مهاجرين، بصورة غير شرعية، لغرض البحث عن العمل. وبالنسبة للعراق توجد عمالة غير قانونية بسبب أرباب العمل الذين يقومون بتشغيلهم بخلاف القوانين”، مبيناً أن “دائرة العمل ملزمة في تحقيق السياق القانوني بإصدار إجازات عمل للعاملين”.
وأضاف الركابي، أن “موضوع الباكستانيين الذي أثير مؤخراً، فهو يأتي ضمن اختصاصات وإجراءات وزارة الداخلية، وقد أطلقت مهلة لأجل تصحيح موقف العمالة المخالفة، وبعد ذلك يتم اتخاذ إجراءات قانونية صارمة بحق العمالة المخالفة من قبل الوزارة (الداخلية) ولجان دائرة العمل واللجان الأمنية المختلفة”.
وسبق أن أعرب وزير العمل أحمد الأسدي، عن قلقه واستنكاره لتزايد عدد العمالة غير القانونية في البلاد، مؤكداً أن وزارته ستحقق في اختفاء آلاف الباكستانيين في العراق، وأن هذا الأمر سيكون محل اهتمام للتحقق واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة بحقهم”.
وقال الأسدي في بيان صحافي إن “العراق شهد توافد سياح من مختلف البلدان خلال الأيام الماضية، من بينهم الباكستانيون، إلا أن العديد منهم بدأوا بالانخراط في سوق العمل دون التصاريح القانونية المطلوبة”، موضحا أن “هذه الظاهرة تؤثر سلباً على الاقتصاد الوطني وتنافسية سوق العمل”.
وأكد أن “الوزارة لن تتهاون في اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد المخالفين”، مشددا على “التعاون بين الجهات المعنية لضمان تطبيق القوانين واللوائح الخاصة بالعمالة لمختلف الوافدين الأجانب للبلاد”. وبين الوزير أن “العراق يرحب بجميع السياح، سواء للسياحة الدينية أو غيرها، من جميع أنحاء العالم، لكنه يشدد على ضرورة احترام القوانين والأنظمة المحلية”.
لكن وزارة الخارجية العراقية، نفت مزاعم اختفاء هذا العدد الكبير من المواطنين الباكستانيين في العراق. وذكرت في بيان، إنها “تابعت ما تناقلته بعض وسائل الإعلام بشأن مزاعم اختفاء 50 ألف باكستاني في العراق، إذ قامت الوزارة بإجراء اتصالات رسمية مع الجانب الباكستاني ممثلاً بوزير الشؤون الدينية الباكستاني، شودري سالك حسين، الذي أكد حدوث التباس في نقل المعلومات التي أدلى بها”.
وأضافت أن “ما تناقلته بعض وسائل الإعلام بشأن اختفاء 50 ألف باكستاني غير صحيح، وأن الجانب الباكستاني سيقوم باستدعاء الوسيلة الإعلامية التي قامت بنشر الخبر غير الدقيق للتحقيق في الأمر”.
وكان الوزير الباكستاني، قد أشار في تغريدة، إلى أن “سفير العراق في باكستان أخبره بتخلف 50 ألف باكستاني عن العودة إلى بلادهم (عقب انتهاء مراسم زيارة كربلاء)”.
ثم عاد الوزير وكتب تدوينة أخرى قال فيها “لقد تم إخراج التصريح عن سياقه، وتم استعماله للإساءة لباكستان، هذا العدد (50 ألفاً) هو للسنوات الماضية وليس لهذه السنة فقط، هؤلاء لم يختفوا؛ بل تخلفوا عن العودة، وليسوا تابعين لأي جهة أو تنظيم”.
كما شرعت الأجهزة الأمنية خلال الأيام الماضية، لضبط المخالفين من الجنسيات الأجنبية لشروط الإقامة، ووفقاً لبيانات أصدرها وزارة الداخلية العراقية، فقد اعتُقِل المئات منهم خلال هذا العام، جميعهم لا يملكون أوراقاً أو تراخيص إقامة من جنسيات سورية وباكستانية وإيرانية وبنغالية ودول أخرى.