نشر موقع “اندبتنت عربية”، تقريراً يتحدث فيه عن كواليس تخص قضية “سرق القرن”، وما جرى للمتهم الأول بها المدعو “نور زهير”، مشيرة إلى أن هناك شخصيات كبيرة متورطة بالسرق الأضخم بتاريخ العراق.
يقول التقرير إن “تفاصيل القضية إلى عام 2022، حين استدعت محكمة عراقية مسؤولين في الهيئة العامة للضرائب على خلفية قضية “سرقة” 2.5 مليار دولار من أموال الضرائب كانت في مصرف حكومي وصدرت مذكرات توقيف بحق مشتبه فيهم”.
ويضيف بأن “القضية بدأت أحداثها خلال الفترة بين عامي 2021 حتى 2022، أي خلال تولي مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة، وتصدت لها هيئة النزاهة حين أعلن رئيسها القاضي حيدر حنون عن تحرك لتنظيم “إشارات حمراء” من الإنتربول بحق المطلوبين الذين تتزايد أعدادهم كلما تقادم الزمن واختلف الخصوم السياسيون، فيما لا يزال العمل الدؤوب مستمراً لاسترداد الأموال المهربة إلى الخارج، يرافقه ضغط شعبي عارم”.
حكاية سرقة ما يزيد على 9 مليارات دولار من أموال الضريبة التي تفرضها عادة الحكومة، ممثلة في هيئة الضرائب العامة التابعة لوزارة المالية، سحبت بتوقيعات أصولية موثقة لدى المحاكم المتخصصة لكن الجدل تجدد حولها مع اتهام نور زهير فيها، أما الجهة المتورطة رسمياً فهي الإدارة العليا لهيئة الضرائب، بحسب عضو لجنة مكافحة الفساد في العراق سعيد ياسين، الذي تحدث للتقرير.
وظهر زهير عبر قناة محلية أخيراً متحدثاً عن تورط أطراف عديدة في الدولة العراقية استلموا مبالغ ضخمة، مما تسبب في تراشق التهم بين المكونات السياسية والمجتمعية.
قامت الدنيا في العراق ولم تقعد بعد مطالبته شخصيات عامة تعرض للابتزاز منها وفرضت إتاوات عليه بإعادة مئات الآلاف من الدولارات التي حصلت عليها منه كونه أجرى تسوية مع الحكومة لإعادة المبلغ.
من هو نور زهير؟
يطلقون عليه في العراق بطل “صفقة القرن” بعد اعتقاله أثناء محاولته مغادرة البلاد محاولاً الهرب بطائرة خاصة، لكن أطلق سراحه بعد أيام معدودة ليعاود محاولات السفر.
ونور زهير جاسم المظفر ينتسب لأسرة بصرية معروفة، كما أنه رجل أعمال مدير مفوض لشركة خدمات نفطية، وعمل في الموانئ العراقية وكان نافذاً فيها، إضافة لعمله مستشاراً لرئيس اللجنة المالية النيابية السابقة التي كان يترأسها هيثم رمضان الجبوري الذي اتهم معه بأنه الشريك السياسي في صفقه “سرقة القرن”، الذي اختفى في ما بعد لجهة مجهولة.
نور الذي وعد العراقيين بالمثول أمام المحكمة العليا لمكافحة الفساد، ظهر من العاصمة اللبنانية فجأة ممدداً مدعياً تعرضه لحادثة سير في بيروت، سيحول دون مثوله أمام القضاء في الـ28 من أغسطس (آب) الجاري، وعده معظم العراقيين عملاً مدبراً ومفبركاً للتهرب من المواجهة، وتنصلاً من وعد معلن بالمثول أمام المحاكمة، في قصة مفبركة لم يحسن صياغتها.
كان نور زهير فاجأ العراقيين بإصراره على العودة إلى بلاد الرافدين أولاً ثم المطالبة بأن تكون محاكمته علنية من خلال المقابلة المتلفزة التي وصفت بالمقننة لكشف الأطراف التي تتهمه بالاستحواذ غير القانوني على أمانات الضريبة المودعة في بنك الرافدين الحكومي، إذ يتمسك بأنه مجرد تاجر اشترى صكوكاً مقابل 30 في المئة ربحاً وأن وضعه قانوني، حتى إنه أعاد جزءاً من المال من خلال تفاوض أسرته مع رئيس الحكومة.
وسبق أن طالب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أسرة زهير بإعادة المال المتسرب خلال أسبوع، لكن ذلك لم يتم، إذ أوضحت مصادر مقربة من نور أنه اشترى ما يقارب 20 عقاراً فخماً في بغداد وأخرى في الخارج.
متورطون كثر
الأزمة الأكثر وضوحاً أن كثيراً من الأطراف التي تكشفت علاقتها بسحب الأموال من هيئة الضرائب أرادت التنصل من تلك التهمة التي أكلت كثيرين، لكن المتهم الأول نور زهير لجأ إلى الإعلام وبات يلوح للشركاء بإمكانية كشف المستور الذي تورط به عتاة السياسيين والبرلمانيين والإعلاميين النافذين، متهماً إياهم بالاستحواذ على أموال تلك الصفقة، بل ويؤكد أن لديه وثائق دامغة تدين المتنصلين عن الصفقة.
ولعل هذا ما أربك المشهد وعقد الأمور كثيراً على المحكمة لإيضاح دوره في الصفقة، خصوصاً أنه طالب بمحاكمة علنية ليكشف أسماء المتورطين في الصفقة، ممن باعوا له سندات حكومية بلغت 247 شيكاً موقعاً من هيئة الضرائب وبنك الرافدين الحكومي، سحبت خلال الفترة من سبتمبر (أيلول) 2021 حتى أغسطس 2022، ومنحت لخمس شركات أعدت لهذا الغرض وغير معروفة سابقاً، ونظمت بطريقة احترافية ونقلت إلى بيوت ومناطق آمنة في بغداد من طريق الكاش.
الحكومة خيار الاسترداد
رئيس الحكومة محمد شياع السوداني الذي استلم هذا الملف من سلفه مصطفى الكاظمي، حاول أن يحل الأزمة ودياً من خلال منح المتورطين فرصة إرجاع المبالغ التي بحوزتهم وخرجت من موازنة الضرائب من طريق الاحتيال والتواطؤ مع شركات وجدت لهذا الغرض وبشراكة سياسية لم يكشف عنها بعد.
حصل نور زهير عبر أسرته على أسبوعين لتسليم كامل المبلغ وإعادته لخزانة الدولة، لكن الواقع يؤشر إلى تورط أسماء كبيرة قبضت تلك الأموال. وكما يقول رئيس هيئة النزاهة فإن المتهمين بلغوا 30 شخصاً متوعداً بإيقاع أقصى العقوبات بالمتورطين بسرقة المال العام.
لماذا أموال الضريبة العامة؟
لا شك أن استهداف أموال هيئة الضرائب لم يأتِ من فراغ أو من رغبة فردية، بل هو عمل منظم احترافي متأتٍ من أن تلك الأموال تتراكم كلما كبرت المشاريع في العراق وتنوعت لإيداع مبالغ كتأمينات مالية تحددها هيئة الضرائب، وتودع في مصرف حكومي ولا يجوز استخدامها أو التلاعب بها، لأنها تودع كأمانة من المتعاملين مع الدولة العراقية، وتسترجع بعد إكمال المشاريع وطلب الشركات، في مقابل استقطاعات تنفذها الهيئة كإجراء مالي في حال حدوث خلل في التنفيذ أو فرض غرامات في حال التأخير في إكمال المشروع، ودرء الفوضى والأوضاع الأمنية الملتهبة في البلاد.
وعلى رغم ما سبق فإن العقل المدبر في هيئة الضرائب استثمر تلك الحالة واستحوذ بمؤازرة سياسية على الأموال المتراكمة بدعوى أنها لا تدخل في موازنات الدولة المنظورة، أما الأطراف المتابعة للموضوع فتؤكد أن المبالغ المسحوبة أكثر بكثير من المعلن، وأن مساومات كثيرة اشترك فيها سياسيون ومسؤولون مقربون من مرتكز القرار.
وكل ما سبق يؤشر إلى أن أطرافاً تتلاعب بالمال العام العراقي قبيل استقالة علاوي، وفقاً لباجلان الذي أوضح أن هناك 30 سياسياً زادت ثروتهم على المليار دولار بعد عام 2003، في وقت يعتمد الاقتصاد العراقي الريعي على إنتاج النفط لا غير، جراء نظام المحاصصة.
تهريب منظم للأموال
لم تكن سرقة القرن بمعزل عما يحدث من تهريب منظم للأموال العراقية والتسبب بإفراغ البلاد من قوتها الاقتصادية، كما يشير الباحث والسفير غازي فيصل مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، قائلاً “تهريب هذه الأموال تعددت أسبابه، وكما قدر البنك الدولي أن مستثمرين عراقيين وغيرهم هربوا للخارج أكثر من 300 مليار دولار، نتيجة التهديدات التي تعرضوا لها من الكتائب المسلحة ومافيات الجرائم المنظمة بالقتل والاعتقال والابتزاز المالي”.
“وليس خافياً أن عدداً من دول العالم دخلت إليها أموال عراقية من طريق طرف ثالث من بغداد من خلال الصرافة أو غسل الأموال، ومن الممكن أن تخرج عملة نقدية بالدولار من طريق الحدود البرية مع دول الجوار، ومنها تكمل طريقها إلى جهات أخرى”، بحسب فيصل.
وختم حديثه، “منذ عامين ذكرت تقديرات أنه جرى تهريب ونهب نحو تريليون دولار في العراق، والآن المبلغ يقدر بتريليون و320 مليون دولار، ولا أحد يعرف حركة هذه الأموال بأي اتجاه. منها ما قد يكون تم غسيله في العراق عبر شراء ممتلكات مثل العقارات”.
ومما يثير الاستغراب هو ما فعله نور زهير، في العاصمة اللبنانية بيروت، فقد حاول فاشلاً تزييف تعرضه لحادث سير ونقله إلى المستشفى، ليختفي بعدها عن الأنظار ويغادر إلى تركيا، وفق مصادر مطلعة.