في سنة 2014، ظهر تنظيم إرهابي سمّى نفسه بـ “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، وسيطر على مناطق في سوريا، وأخرى في العراق، قبل أن يُسحَق بأقدام العراقيين، لكنه كان يسعى لأن تكون المنطقة مفتوحة وتحت قبضته من سوريا إلى العراق.
في تلك اللحظة، ظهر أصحاب اللحى الطويلة، قائلين وهم يزيلون الحاجز الحدودي بين العراق وسوريا: “لا حدود بين البلدين بعد، إنها دولة إسلامية واحدة”.. وهذا الأمر، يتكرر الآن مع القوات التركية، التي تتوغّل في العراق وسوريا.
تواصل تركيا، قصفها لمناطق العراق، بالتزامن مع تقدم قواتها داخل الأراضي العراقية والسورية أيضاً، والذريعة: ملاحقة حزب العمال الكردستاني.
هذه التحركات تشير إلى سعي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتعزيز نفوذ بلاده في المنطقة، والسيطرة على المناطق العراقية والسورية معاً، خاصة وأنه يستذكر الدولة العثمانية، وكيف كانت مسيطرة.
التوغلات العسكرية التركية:
أطلقت تركيا سلسلة من العمليات العسكرية عبر الحدود، أبرزها عملية “قفل المخلب” في شمال العراق، التي بدأت في نيسان 2022، لاستهداف معاقل حزب العمال الكردستاني في مناطق متينا وزاب وأفاشين-باسيان، بمشاركة قوات برية وجوية ومدفعية.
ورغم احتجاجات الحكومة العراقية واعتبارها هذه العمليات انتهاكًا لسيادة البلاد، استمرت تركيا في توغلها، مشيرةً إلى حقها في الدفاع عن النفس وملاحقة التنظيمات الإرهابية.
في سوريا، نفّذت تركيا عمليات مماثلة، مثل عملية “نبع السلام” في تشرين الأول 2019، بهدف إقامة منطقة آمنة بعمق 30 كيلومترًا على طول الحدود التركية-السورية. واستهدفت هذه العملية وحدات حماية الشعب الكردية، التي تُعدّها أنقرة امتدادًا لحزب العمال الكردستاني.
القصف التركي وسقوط الضحايا
أدت العمليات العسكرية التركية إلى سقوط ضحايا مدنيين في كل من العراق وسوريا. في تموز 2022، تعرّض منتجع سياحي في محافظة دهوك بإقليم كردستان العراق لقصف مدفعي، أسفر عن استشهاد 9 أشخاص وإصابة 22 آخرين.
اتهمت الحكومة العراقية تركيا بالمسؤولية عن الهجوم، بينما نفت أنقرة ذلك، مشيرةً إلى إمكانية تورط جهات أخرى. لكن الدلائل تؤكد تورطها بما حدث.
الموقف العراقي
رغم الاحتجاجات الرسمية المتكررة من قبل الحكومة العراقية ضد الانتهاكات التركية للسيادة الوطنية، لم تتخذ بغداد إجراءات فعّالة لردع أنقرة، حتى واصلت قصفها في الأراضي العراقية، متسببة بإحراقها، وتهجير أهلها.
في نيسان 2022، استدعت وزارة الخارجية العراقية السفير التركي وسلمته مذكرة احتجاج شديدة اللهجة، ووصفت العمليات العسكرية بأنها “أحادية عدائية استفزازية”.
ومع ذلك، استمرت تركيا في عملياتها، مشيرةً إلى وجود تنسيق مع بغداد وأربيل، وهو ما نفته الحكومة العراقية.
الطموحات التركية
يُشير مراقبون إلى أن التحركات التركية تهدف إلى تحقيق أهداف جيوسياسية تتجاوز مجرد ملاحقة التنظيمات الإرهابية. تسعى أنقرة إلى توسيع نفوذها في المناطق الحدودية، وضمان وجود عسكري دائم يمكّنها من التأثير في مجريات الأحداث الإقليمية.
هذا التوجه يثير مخاوف من محاولات تركية لفرض واقع جديد على الأرض، قد يؤدي في نهاية المطاف إلى ضم فعلي لبعض المناطق إلى نفوذها.
ردود الفعل المحلية والدولية:
أثارت العمليات التركية استياءً واسعًا على المستويين المحلي والدولي. في العراق، نددت القوى السياسية والشعبية بالانتهاكات المتكررة للسيادة الوطنية، ودعت إلى اتخاذ موقف حازم لوقف التوغلات التركية.
دوليًا، دعت بعض الدول والمنظمات إلى احترام سيادة العراق وسوريا، وحل القضايا العالقة عبر الحوار والتفاهم المشترك.
تنوي تركيا أن تطلق عملية عسكرية كبرى، خاصة مع إيصالها الجولاني، إلى سدة الحكم في سوريا، والتي دعمته منذ أن كان يرتدي العصّابة، حتى ألبسته الربطة الرسمية.
وتُعدّ التوغلات العسكرية التركية في العراق وسوريا جزءًا من استراتيجية أوسع لتعزيز النفوذ الإقليمي وملاحقة التنظيمات التي تعتبرها أنقرة تهديدًا لأمنها القومي.
ورغم الاحتجاجات والانتقادات، تواصل تركيا عملياتها، مستفيدةً من ضعف الردود المحلية والدولية. هذا الوضع يفرض تحديات كبيرة على سيادة العراق وسوريا، ويستدعي جهودًا دبلوماسية مكثفة لاحتواء التوترات وضمان الاستقرار في المنطقة.