أكد رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، اليوم الخميس، أن الديمقراطية في العراق أصبحت واجهة للفساد وانتهاك حقوق الإنسان العراقي، وهي غطاء لخروقاتٍ كثيرة وكبيرة تمزّق المساواة والشفافية والمساءلة، وتُنتهك فيها الحقوق والحريات، في حين بيّن أن الفساد هو السمة العامة لنظام الحكم، كما شُرّعت كل أبواب الانتهاكات وهذا ما يضرب قيم المساواة والشفافية والمساءلة! فالفاسد والإرهابي والمليشياوي، بإمكانه أن يجد مكانةً له موطئ قدمٍ في المشهد العراقي.
وقال الكاظمي، في مقال جديد نشر في إحدى مراكز الدراسات الدولية، وتابعته منصة “إيشان”، إن “الحديث عن الديمقراطية في جمهورية العراق، والتي نعمل على تثبيتها على مستوى المفهوم النظري والتطبيق العملي، يحتوي على كثيرٍ من التفاصيل التي توجب استحضار التجربة خلال العقود الماضية؛ قبل سقوط النظام السابق وبعده”.
ولفت إلى أن “الديمقراطية لن تعبّر عن المشاركة الحقيقية للمواطنين في الحُكم، إن لم يقم النظام السياسي كفيلٌ بحماية الحقوق والحريّات بالدرجة الأولى؛ هذه الكفالة تشكّل السور الآمن لصوت المواطن في أي عملية انتخابية، وبذلك تتراكم الثقة وتتعززّ وتصبح المنافسة الانتخابية تعبيراً حقيقيّاً لإرادة الشعب. كذلك، فإن المساواة والشفافية والمساءلة تعدّ أيضاً من مبادئ العمل الديموقراطي. وعليه، لا بدّ من تثبيت ممارسة هذه الأطر النظرية في العمل السياسي لنقول إننا حقّاً في نظام ديمقراطي”.
وبين الكاظمي، أن “مشكلة العراق على مستوى النظام، هو الفارق الكبير بين التصريحات والدعوات من جهة، وبين الممارسة الفعليّة من جهةٍ ثانية؛ والتي تقود – على المستوى التراكمي – في نهاية المطاف إلى الخروج بخلاصة مؤسفة بأن الديمقراطية مصادرة، وهي غطاء لخروقاتٍ كثيرة وكبيرة تمزّق المساواة والشفافية والمساءلة، وتُنتهك فيها الحقوق والحريات. وبذلك علينا السؤال: هل نحن أمام تجربة ديمقراطية حقيقية أم أن تجربتنا ما زالت في طور البناء؟ وكم من الوقت نحتاجه لنصل إلى معدن التجربة؟ وما هي التضحيات التي يجب أن ندفعها مجدّداً؟ وإلى ماذا نحتاج لنخرج من هذه الأزمات؟”.
وتابع: “قبل أيام، اطلعت على تقرير أعدته إحدى الجمعيات المعنيّة بالدفاع عن حريّة الصحافة في العراق؛ بلغ عدد الانتهاكات في عام 2024، 457 انتهاكاً، بمعدّل انتهاكٍ واحدٍ يوميّاً. الرقم يحمل مؤشرات خطيرة، خصوصاً أن عدد شهداء الأسرة الصحافية بلغ 6 شهداء! كذلك، اطلعت على تقرير أعدته جمعية أخرى مهتمة بقضايا حقوق الإنسان، وقد بلغ مجموع الانتهاكات أكثر من 150 انتهاكاً توزّعت بين قضايا كبرى هزّت البلاد وقضايا صغرى على مستوى المحافظات والمناطق. ولكنها، في طبيعة الحال، مؤشرات خطيرة عن الواقع الحالي لحقوق الإنسان في العراق”.
وأكمل: “للأسف، تحمل العراقيون انتهاك حقوقهم لسنوات عديدة. حُكم صدام حسين لم يكن ديكتاتوريّاً فحسب، بل إرهابيّاً أيضاً، وهذا ما بيّنته الأرقام المهولة لعمليات القتل خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري وسجن المعارضين السياسيين والمقابر الجماعية. بعد عام 2003، أصبح الفساد هو السمة العامة لنظام الحكم، كما شُرّعت كل أبواب الانتهاكات وما زاد من صعوبة المشهد عمليات (قوننة) هذا الفساد، وهذا ما يضرب قيم المساواة والشفافية والمساءلة! فالفاسد والإرهابي والمليشياوي، بإمكانه أن يجد مكانةً له موطئ قدمٍ في المشهد العراقي”.
وبين أنه “طوال السنوات الماضية، ورغم كل التحديات الوجودية التي واجهها العراق، تمسّك العراقيون بفكرة تثبيت دعائم الحرية والازدهار والسلام، وأن قيمهم الإنسانية المتمثلة في القبول والتسامح ستظهر في الواجهة، واليوم، وعلى إثر تواصلي المستمر مع مختلف الطبقات والشرائح، ثمة ما يدفع المواطن إلى السؤال دائماً عن جدوى الديمقراطية والنظام وقيمه، وجدوى المشاركة في أي عملية انتخابية كانت (تشريعية أو محليّة)، خاصّةً إن كانت – في نهاية المطاف – غير قادرة على إنتاج أي تغيير حقيقي في السلوك السياسي للطبقة الحاكمة، عدا عن قدرة هذا النظام على تطويع أي إرادة تغييرية”.
وتابع: “لقد دفعتني قناعاتي بضرورة تكريس المُثل والقيم الديموقراطية إلى قبول منصب رئاسة الوزراء، رغم رفضي لذلك في المرة الأولى عام 2018؛ إيماني وقناعاتي بضرورة تحقيقها كانت طموحي في قيادة البلاد على مدى عامين. ما خبرته أن سوء المعاملة والفساد أمران مستوطنان، وهو تحد لا يوجد له حل بسيط أو سريع أو سحري”.
واتمم بالقول: “لقد قضيت حياتي السياسية في محاولة حل هذه المشكلة، من المعارضة إلى الصحافة والنشاط السياسي ثم رئيساً لجهاز المخابرات ورئيسا للوزراء؛ لقد بذلت جهوداً مضنية لمعالجة المشكلتين التوأمين للفساد وحقوق الإنسان، وإنشاء اللجنة الدائمة للتحقيق في الفساد والجرائم الجسيمة. صحيحٌ أننا أحرزنا تقدما، ولكن التدخل الخارجي في نظامنا السياسي أعاقنا، فالمشكلة عميقة الجذور، وأحياناً كانت مستعصية”.
وأشار إلى ان “حكومة اليوم في بغداد تحاول التعامل مع نفس المشكلة. لكنها غارقة في الفساد غير المنضبط، ومشاركة القوى الإقليمية التي تمنعها من القدرة على القيادة بثقة والمساءلة اللازمة لإحلال السلام والحرية. وما زاد من تعقيد المشهد ما رأيناه في البرلمان – قبل أيام – من خلال إقرار قانون العفو الخاص الذي شمل كبار الفاسدين المُدانين!”.
وأوضح أن “الشعب العراقي يُخذل من خلال الفساد المستوطن وانتهاكات حقوق الإنسان التي تشكل أسس المجتمعات الحرة والديمقراطية. فالشعب يحتاج إلى حكومة شفافة لديها الثقة والسلطة للتحقيق بشكل صحيح في مصادر الفساد والقضاء عليها، ومحاسبة المتهمين من خلال السلطة القضائية وتأمين حمايتها من أي نفوذ سياسي، وكذلك، على المسؤولين ألا يخافوا من تسمية ومقاضاة الميليشيات، وأولئك الموجودين داخل الأجهزة الأمنية الذين ينتهكون حقوق الإنسان. فمن غير المقبول أن يتم احتجاز الأشخاص في العراق وتعذيبهم وإعدامهم بشكل تعسفي دون محاكمة عادلة. هذه الممارسات القمعيّة تتعارض مع القيم والمثل العليا التي يمكن أن ينمو حولها عراق حر ومزدهر”.
وختم بالقول: “على العراقيين أن يكونوا قادرين على العيش دون خوف، والتمتع بالسلام والكرامة التي حرموا منها طوال حياتهم. سيكون مجتمعنا أقوى بذلك. لكن – للأسف – فإنه يتحرك حاليا في اتجاه مظلم ومحفوف بالمخاطر، مع تثبيط عزائمه بشكل ممنهج. وعليه، يجب أن نسعى جاهدين من أجل الأفضل، ونعمل بكل قوة لتحقيق الديمقراطية وتثبيت دعائمها وقيمها لأجل مستقبل يكون على قدر التضحيات الجسمية التي بُذلت لأجل عراق حرّ ومزدهر”.