أربعون عاما قضاها اللبناني المؤيد للفلسطينيين جورج إبراهيم عبدالله سجينا بفرنسا، وها هو اليوم يودع زنزانة دخلها شابا ليخرج منها سبعينيا، بعد معاناته مع الزنزانة التي استضافته طيلة العقود الماضية.
وانطلق موكب من ست مركبات من بينها حافلتان صغيرتان من سجن لانميزان في مقاطعة أوت-بيرينه بجنوب غرب فرنسا، على ما أفاد فريق وكالة فرانس برس من دون أن يتمكن من رؤية الناشط الملتحي.
وأكد مصدر مطلع على الملف لوكالة فرانس برس أن المدرس السابق البالغ 74 عاما خرج من السجن.
وسينقل جورج ابراهيم عبد الله مباشرة إلى مطار تارب على ما أفاد مصدر في القوى الأمنية، ومن هناك سيستقل طائرة إلى مطار رواسي في باريس ليصعد إلى رحلة متوجهة إلى بيروت صباح الجمعة.
وقال محاميه جان-لوي شالانسيه، بعد انطلاق الموكب “هذا مصدر فرح وصدمة عاطفية وانتصار سياسي في آن بعد كل هذه الفترة”، مضيفا “كان ينبغي أن يخرج منذ فترة طويلة جدا”.
وأصدرت محكمة الاستئناف في باريس الأسبوع الماضي، قرارها بالإفراج عن الناشط اللبناني “في 25 تموز (اليوم) شرط أن يغادر فرنسا وألا يعود إليها”.
وحُكم على عبد الله البالغ حاليا 74 عاما، سنة 1987 بالسجن مدى الحياة بتهمة الضلوع في اغتيال دبلوماسي أمريكي وآخر إسرائيلي عام 1982.
وبات جورج عبد الله مؤهلا للإفراج المشروط منذ 25 عاما، لكن 12 طلبا لإطلاق سراحه رُفضت كلها.
والإثنين، أعلنت النيابة العامة في باريس التقدّم بطعن في قرار محكمة الاستئناف أمام محكمة التمييز، لكن هذا الطعن الذي يستغرق بتّه أسابيع عدة، لن يعلق تنفيذ الحكم ولن يمنع بالتالي عبد الله من العودة إلى لبنان.
وقال شالانسيه الذي التقاه مرة أخيرة في السجن الخميس “بدا سعيدا جدا بالإفراج عنه مع أنه يدرك أنه يعود إلى منطقة شرق أوسط عصيبة جدا للبنانيين والفلسطينيين”.
وفي الأيام الأخيرة، عمد عبد الله إلى إفراغ زنزانته المزينة بعلم أحمر يحمل صورة تشي جيفارا وفيها الكثير من الصحف والكتب التي سلمها إلى لجنة الدعم الخاصة به التي تظاهر نحو 200 من أفرادها بعد ظهر الخميس أمام السجن.
وأعطى غالبية ملابسه إلى سجناء معه وهو يحمل معه “حقيبة صغيرة” على ما أفاد محاميه.
وتأمل عائلته أن يتم استقباله في صالون الشرف بمطار بيروت الدولي، وقد طلبت إذنا من السلطات التي كانت تطالب فرنسا منذ سنوات بالإفراج عنه.
ومن المقّرر أن يتوجه الناشط لاحقا “إلى مسقط رأسه في القبيات في شمال لبنان حيث سينظّم له استقبال شعبي ورسمي يتخلله كلمة له أو لأحد أفراد عائلته”، وفق شقيقه.
والتقته وكالة فرانس برس، يوم قرار الإفراج عنه في 17 تموز الجاري، في زنزانته برفقة النائبة عن اليسار الراديكالي أندريه تورينيا.
وخلال اللقاء، قال عبد الله وقد غزا الشيب لحيته الكثة إن “أربعة عقود هي فترة طويلة لكن لا تشعر بها متى كانت هناك دينامية للنضال”.
واعتبر قضاة محكمة الاستئناف أن مدة احتجازه “غير متناسبة” مع الجرائم المرتكبة ومع سن القائد السابق لـ”الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية”.
وجاء في الحكم أن عبد الله بات “رمزا من الماضي للنضال الفلسطيني”، مشيرا إلى أن المجموعة الصغيرة التي كان يتزعمها وتضم مسيحيين لبنانيين علمانيين وماركسيين وناشطين مؤيدين للفلسطينيين، باتت منحلّة “ولم ترتكب أي أعمال عنف منذ 1984”.
وأعرب القضاة عن أسفهم لعدم إبداء عبد الله أي “ندم أو تعاطف مع الضحيتين اللتين يعتبرهما عدوين”، لكنهم اعتبروا أن الناشط الذي يريد تمضية “آخر أيامه” في قريته شمال لبنان حيث قد ينخرط في السياسة المحلية، لم يعد يشكّل أي خطر على النظام العام.
وأصيب جورج عبد الله أثناء الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 1978، وانضم إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الحركة اليسارية التي كان يتزعمها جورج حبش.
وبعدها، أسس مع أفراد من عائلته الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية، وهي تنظيم ماركسي مناهض للإمبريالية تبنى هجمات في أوروبا بين العامين 1981 و1982 في إطار نشاطه المؤيد للقضية الفلسطينية، وأوقعت أربعة من هذه الهجمات قتلى في فرنسا.
واعتُبر عبد الله لفترة طويلة مسؤولا عن موجة اعتداءات شهدتها باريس بين العامين 1985 و1986 وأوقعت 13 قتيلا ناشرة الخوف في العاصمة الفرنسية.
وحُكم عليه عام 1986 في ليون بالسجن أربع سنوات بتهمة التآمر الإجرامي وحيازة أسلحة ومتفجرات.
وحوكم في العام التالي أمام محكمة الجنايات الخاصة في باريس بتهمة التواطؤ في اغتيال الدبلوماسيين الأمريكي تشارلز راي والإسرائيلي ياكوف بارسيمينتوف عام 1982، ومحاولة اغتيال ثالث عام 1984.
وبعد شهرين من الحكم على عبد الله بالسجن مدى الحياة، تم التعرف على المسؤولين الحقيقيين عن هذه الاعتداءات وهم على ارتباط بإيران.
ولم يُقرّ عبد الله بضلوعه في عمليتي الاغتيال اللتين صنفهما في خانة أعمال “المقاومة” ضد “القمع الإسرائيلي والأمريكي” في سياق الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) واجتياح إسرائيل لجنوب لبنان عام 1978.
وباستثناء عدد ضئيل من المؤيدين الذين واصلوا التظاهر كل سنة أمام سجن عبدالله وبضعة برلمانيين يساريين، بات المعتقل منسيا على مر السنين بعدما كان في الثمانينات العدو الأول لفرنسا وأحد أشهر سجنائها.