أكثر من عامٍ مضى على تشكيل الحكومة التي ولِدَت من رحم الإطار التنسيقي، ويرأسها محمد شياع السوداني، وخلال هذه الأشهر، غاب القصف عن السفارة الأمريكية، على عكس ما مرّت به الحكومات السابقة.
والسوداني، هو “الشروكي” الذي تغنّت به القوى الشيعية خلال توليه رئاسة الحكومة، وأسهمت في منع القصف على السفارة الأمريكية، خلال أكثر من 12 شهراً.
انتهاء “سنة العسل”
ومنذ تأريخ تشكيل حكومة شياع السوداني، في 27 تشرين الأول عام 2022، وحتى فجر الجمعة 8 تشرين الثاني عام 2023، انتهت ما تُوصف بأنّها “سنة عسل”، حين وصلت المقذوفات إلى محيط السفارة الأمريكية.
وبينما توجّه قادة الإطار التنسيقي إلى مخادعهم، وهم يفكّرون بما سيفعله زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، مع قرب الانتخابات، حتى وصلت إلى مسامعهم، أنباء قصف السفارة الأمريكية بصواريخ ومقذوفات.
مكان الخدمات يصبح مكان منصّات
ومن شارع أبو نؤاس، وسط العاصمة بغداد، والذي أراده السوداني أن يكون مكاناً لانطلاق الخدمات المقدمة للعراقيين، مع تحويله إلى مكان للعشّاق والعوائل، انطلقت صواريخ “الخارجين عن القانون”، حسب ما يصفهم السوداني، قبل أن يقول إنهم “إرهابيون”.
ويضم الشارع الذي يحاذي نهر دجلة، حدائق، وحاول السوداني أن يعلن المرحلة الثانية من تأهيله، بجعله مكاناً يتنفّس به العراقيون، إلا أن “المجاميع الخارجة عن القانون”، حوَّلته إلى مكان تُقصف منه السفارة الأمريكية.
الصدر يقطع الطريق
وحاول إعلام القوى الشيعية، أن يرمي “فعلة قصف السفارة” على الصدريين، إلا أنَّ وزير الصدر خرج لهم بمصطلح “سفارتكم الحبيبة” الذي صار عنواناً لوكالات الأنباء وقال: “لم نقصفها، ولو كنا نحن لأعلنا ولنا الشرف”.
تغيَّر علاقة الإطار بالسفارة
وبعدما كانت السفارة الأمريكية “وكراً للتجسس وقاعدة عسكرية”، بنظر الإطار والمقربين منه، حتى صارت “بعثة دبلوماسية وخطاً أحمر”، يكون قاصفها “إرهابياً”، يجب أن يخضع للحساب.
ولم يقبل الإطار بهذا القصف، ووصفه بـ “الاعتداء المشبوه”، قبل أن يدعو في بيانه، السوداني إلى ملاحقة المعتدين الذين وصفهم بـ “الإرهابيين”.
هذا الموقف، أعجب السفيرة الأمريكية آلينا رومانوسكي، ووجّهت شكرها للإطار التنسيقي، مع بقيَّة الكتل السياسية، وقالت: “نثني على التزام الحكومة العراقية بملاحقة هؤلاء الذين ينفذون الهجمات على أفراد ومنشآت الولايات المتحدة وقوات التحالف، والوقت حان لاتخاذ الإجراءات وتحقيق النتائج”.
موقف الإطار بشأن القصف، لم يكن نفسه إبان فترة حكومة مصطفى الكاظمي، الأمر الذي يجعل دولة الإطار “مصانة”، والبقيَّة “مُهانة”.
وخلال اتصال هاتفي بين السوداني ووزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، قال الأول للأخير: “سنلاحق مرتكبي الاعتداء على السفارة أياً كانوا.. لكن لا تقصفوا من دون موافقتنا أو علمنا”.
الغضب في بغداد ورد الفعل على قاعدة حرير
الغضب في العاصمة بغداد، جعل المسيّرات الانتحارية تتوجه إلى قاعدة الحرير الأمريكية قرب مطار أربيل الدولي، لكنها لم تصل أهدافها، كما انطلقت الصواريخ غربي العراق، صوب قاعدة عين الأسد.
وقرب معسكر الرشيد، في المنطقة الرابطة بين الكرادة والزعفرانية، تتحرّك الآليات لمد جسر يخلّص ذوي المنطقتين من اختناق مروري، لكن “المجاميع غير القانونية”، تحرّكت معها قرب المعسكر، وأصبح لها نيّة بقصف السفارة الأمريكية مجدداً من ذلك المكان.
الوثيقة التي وردت لمنصّة “إيشان”، تقول إن “الاستهداف سيكون عن طريق إطلاق النيران غير المباشرة، عبر استغلال الساحات والفضاءات الفارغة غير الممسوكة ضمن القاطع وخصوصاً في معسكر الرشيد بجانبيه الأيمن والأيسر ومنطقة الرستمية، لعدم وجود قوة كافية لمسك تلك الفضاءات ويمكن استغلالها لتنفيذ الهجمات”.
ومع رمي الإطار التنسيقي فعلة القصف على رقاب “مجهولين”، خرج أبو علي العسكري، الناطق العسكري باسم كتائب حزب الله، متفاخراً بعملية قصف “سفارة الشر”، على حد وصفه، قبل أن يصف الإطار والحكومة ومَن دان القصف بـ “المنبطحين والمتخاذلين”.
ولم يتّفق المحلل السياسي القريب من فصائل المقاومة، والإطار التنسيقي، حيدر البرزنجي، مع “بعض المحاور” في تغريدة أبو علي العسكري، قبل أن يشير إلى “جهة ثالثة تحاول خلط الأوراق.
ويقول البرزنجي لمنصّة “إيشان”: “أغلب مضامين البيان، أتفق معها”، مشيراً إلى أن “السفارة الأمريكية لديها توصيف، بأنها بعثة دبلوماسية، واستخدامها أسلحة متطورة ينافي هذا الوصف”.
ويعتقد البرزنجي، أن “الحكومة تعمل عبر طرق دبلوماسية وسياسية للململة الأمور”، قبل أن يقول: “قد تكون هناك جهة ثالثة تحاول خلط الأوراق، وتريد أن تعرقل خطوات الحكومة التي تمضي بقوة ودعم سياسي ولا تلتفت إلى المنغصّات، وتعالج كل الأزمات في البلد”.
وإلى جانب البرزنجي، يقول خالد السراي، المحلل السياسي الآخر القريب من الإطار التنسيقي: “القصف على السفارة الأمريكية مرفوض إطلاقاً، حتى لو كانت من أطراف محسوبة على المقاومة”.
ويضيف السرّاي لمنصّة “إيشان”، أن “بناء الدولة له مستلزمات، وأولها، هيبتها، وسيطرتها على القرار السياسي والأمني، وحكومة السوداني تعمل على ذلك.. وموقفها محرج فعلاً، لكن هناك تفّهم أمريكي واقعي”.
ويلحظ السرّاي، وجود إجراءات حكومية جديّة بعد قصف السفارة الأمريكية، قبل أن يعبّر عن أمنيته “باستمرار هذا النفس”.