حتى عندما يتخذ مقتدى الصدر أكثر خياراته حسما وجرأة -تلك التي لا يفكر بها خصومه السياسيين حتى- يراهن على خصيصة يكاد ينفرد بها جمهوره فحسب، وهي “الطاعة”.
“من أهم ما يميز القاعدة الصدرية هو وحدة صفها وطاعتها وإخلاصها وهذا ما أباهي به الأمم”، يقول الصدر وهو يحث أتباعه على مقاطعة الانتخابات: “مقاطعتكم للانتخابات أمر يفرحني ويغيض العدا”.
مر 22 يوما على قرار المقاطعة، ولا يزال الصدريون ملتزمون بقرار زعيمهم. وبينما بدأ العد التنازلي لانطلاق الانتخابات المحلية في الثامن عشر من كانون الأول الحالي، يزداد هاجس الأحزاب التي تستعد للانتخابات بكل قوتها: “هل سيعرقل الصدريون العرس الانتخابي؟”.
بماذا يفكر الصدريون؟
محمد، الذي فضل الاكتفاء باسمه الأول فقط، شاب ينتمي للتيار الصدري في واسط، يتحدث لـ”إيشان” ويقول إنه “بعد قرار الانسحاب من مجلس النواب إلى اليوم تدريجياً بدأ الشارع الصدري يرفض فكرة الانسحاب بعد أن كان الأمر مقبولا من النخب الصدرية”، مبينا أن “هناك صدريين يرفضون فكر الانسحاب ويشعرون بأن التيار سيدخل عزلة سياسية إذا مضت الانتخابات”.
“لكنهم يطيعون قرار المقاطعة”، يستدرك محمد، ويشير إلى أن “ثمة صدريين لا يتقبلون فكرة انتخابات بلا تيار، وينتظرون قرارا لإغلاق مراكز الاقتراع أو عرقة الانتخابات”.
والقرار، بحسب محمد “ينتظره الصدريون من وزير الصدر، صالح المحمد العراقي تحديدا”.
قلق قبل الاقتراع
وبينما يقترب يوم “العرس الانتخابي”، تعرضت صور لمرشحين من بينها صور لرئيس ائتلاف دولة القانون في بغداد وعدة مدن أخرى للتمزيق، في الوقت نفسه تعرضت مكاتب دولة القانون في بغداد والنجف والبصرة لهجمات مسلحة، وكانت أصابع الاتهام تتجه نحو الصدريين.
مسؤول في التيار الصدر، تحفظ على ذكر اسمه، استجابة لقرار اعتزال العمل السياسي، يقول لـ”إيشان” إن “الإطار التنسيقي يكيد للتيار ويسعى لزجه في هذه التفصيلة ونحن نعرف النوايا جيداً”.
وبين أن “التيار كان واضحا في مقاطعة الانتخابات وكل وجوهها الفاسدة.. وصور المرشحين لم تُهاجَم للمرة الاولى ففي كل انتخابات نشهد هذه الحوادث هنا وهناك”.
وعن “انتظار قرار بعرقلة الانتخابات”، قال المسؤول في التيار: “هذا أمر مستبعد جدا وغير واقعي”. ويبين أن “القرار الواقعي هو استمرار المقاطعة الواعية بوصفها فعلاً سياسياً أما ردود الفعل الفردية فهي لغاية اللحظة فردية ولا تمثل وجهة نظرنا وبالإمكان متابعة تصريح الشيخ صلاح العبيدي بهذا الخصوص”.
في السابع من تشرين الثاني الماضي، أكد صلاح العبيدي، مدير مكتب زعيم التيار الصدري في سوريا، عبر تسجيل صوتي، أن “واحدة من مفردات التنافس غير الشريف بينهم هو أن مجموعة من الملثمين قاموا بتمزيق دعايات انتخابية تابعة لائتلاف دولة القانون، وأنزلوا الفيديو مع انشودة صدرية بحجة انهم صدريون، ولكن هذا الشيء غير صحيح”، مبيناً أن “هؤلاء من الانداد ومبغضي المالكي من نفس الإطار”.
وكلام العبيدي أعقب تعليق نوري المالكي على حرق صورته، وقبل إعلان الصدر مقاطعة الانتخابات.
ويلفت المسؤول الصدري إلى أن “الاستهدافات التي تعرضت لها المكاتب السياسية، لم تكن متعلقة بالانتخابات، بل بسبب تعليق معادٍ للسيد محمد الصدر في إحدى القنوات التابعة للأحزاب، فولد ردة فعل غاضبة وهو جزء من مسلسل الاستفزاز المعروف إعلاميا”.
أدناه منشور على منصة تليغرام أثار استفزاز التيار الصدري:
وفي مساء يوم أمس، حدث تطور آخر، إذ تم تداول تدوينة لبليغ أبو كلل القيادي في تيار الحكمة، سرعان ما نفاها الأخير وأعلن أنها مزيفة، لكن ذلك لم يمر بسلام، إذ إن صور مرشحي تيار الحكمة، ومقراته تعرضت لهجمات في بغداد وديالى ومناطق أخرى.
ماذا ينتظر الصدريون؟
“التيار لا يزال قويا”، يقول مؤمل الذي يصف نفسه بـ”الصدري القح”، وهو يتجول في منطقة الحمدانية، غرب البصرة: إن “موطن قوة التيار بيد الصدر دائماً، فالقائد على تواصل مع القاعدة ولا يتركها فترة طويلة.. لديه دائماً خطوات تحرك الراكد في التيار”.
يتحدث مؤمل وهو يشير بيده إلى اللافتات الانتخابية، قائلا إن “التيار كسب مؤيدين له، بعد خطوتي الانسحاب من البرلمان ومقاطعة الانتخابات”.
ويضيف: “لا يمكن القول إن كل من يشارك بالانتخابات فاسد، لكن الشعب سيتبين له من هم سياسيي الداخل والخارج، ومن يقدمون المصلحة العامة عن الخاصة”.
في الناصرية، ينشغل أحد مسؤولي التيار بمشروع البنيان المرصوص الاجتماعي، الذي يرعاه مقتدى الصدر، وتحدث لـ”إيشان” بعد تحفظ قائلا: “لا يفكر الصدريون في العادة بما سوف يتمخض عن أي حراك مناقض لثوابتهم فهم يركنون إلى منظومة عقائدية صلبة، وصبر استراتيجي، مكنهم عبر عقدين من الزمن من مواجهة النكبة تلو الاخرى دون أن يكون سبباً لاندثارهم بل سبباً لكل انتصار حققوه سواء على مستوى العمل العسكري في مواجهة الاحتلال، أو على مستوى الأداء السياسي والاجتماعي والميداني”.
وأضاف المسؤول الذي رفض ذكر اسمه: “ما ينتظره الصدريون إشارة في (كصكوصة) لا تتعدى سطراً واحداً لتغيير أشد المعادلات والأدلة على ذلك لا حصر لها منذ احتلال العراق 2003 ولغاية الآن”.
وتابع: “أعتقد أن القاعدة الصدرية في أفضل لحظاتها، منذ أول اشتراك للتيار في الانتخابات.. نعم يعتقد البعض أن للتيار الاحقية في رسم المشهد الحكومي وهم على يقين أن المشهد السياسي يختلف فهم لازالوا الاكثر قدرة على رسمه سواء كانوا داخل العملية السياسية ام خارجها”.
ورأى أن “استيلاء الاحزاب الأخرى على الدولة لا يشكل أي ضغط بالنسبة للصدريين فهم يجيدون صناعة لحظتهم الفارقة وهي ستبقى في المتناول”.
وأوضح: “كل التجارب مهما كانت قاسية كان الصدريون في اعلى درجات الانضباط والطاعة مع القائد وهي غير قابلة للتجزئة والتبعيض فهي سارية وباقية في مختلف الأصعدة عسكرية كانت مدنية والرهان على ذلك محسوم النتائج وهو احد اهم ادوات الانتصار الصدري أو صح التعبير”.
وتابع: “في المقابل يراهن التيار على بعد النظر الذي يتمتع به الصدر وحنكته السياسية التي أثبت فيها في كل مرة أنه على حق منذ رفضه لدستور الاحتلال ومواجهته ورفضه الرضوخ له والجلوس معه وعقد الاتفاقات التي أدت إلى تبعية ذيلية رفضها ويرفضها سواء للاحتلال او لدول الجوار”.
ويعتقد أن موطن قوة التيار الصدري يتمثل بـ”وجود رابط عقائدي ومرجعية عراقية واحدة، قائد يعرف ماذا يريد، والتخطيط المدروس وقراءة المتغيرات محلياً واقليمياً، وقاعدة منضبطة منظمة تتوخى أقصى درجات الالتزام وتنفذ بحرفنة عالية، فضلاً عن كونهم عملياً الاقوى عدداً على المستوى العسكري والاكثر خبرة وتراكما”.