اخر الاخبار

ذات صلة

القوة الكامنة تحت الرمال: أساليب الاستثمار الأمريكية والصينية في العراق

شارك على مواقع التواصل

كشف موقع “فاير أوبزرفر” (Fair Observer) الأمريكي في تقرير بعنوان “القوة الكامنة تحت الرمال: أساليب الاستثمار الأمريكية والصينية في العراق” أن العراق بات ساحةً رئيسية للتنافس الاقتصادي والجيوسياسي بين واشنطن وبكين، حيث تتداخل مصالحهما في مجالات النفط والبنية التحتية وإعادة الإعمار. وأوضح التقرير أن الولايات المتحدة تراهن على الأمن والإصلاح المؤسسي كمدخل للاستثمار، في حين تعتمد الصين على تمويل سريع لمشاريع ضخمة دون شروط سياسية، ما جعلها من أبرز المستثمرين في العراق منذ عام 2015 ضمن مبادرة “الحزام والطريق”.

نص التقرير كما ورد في موقع Fair Observer:

في سياق التنافس الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين، تُمثّل العراق ساحةً حيوية لهذا الصراع. فموقعه يربط بين دوائر النفوذ الإيراني والتركي والخليجي، كما أن احتياطاته النفطية الضخمة وعضويته في منظمة أوبك – التي تسيطر مجتمعة على نحو 80% من احتياطي النفط العالمي – تجعلان منه جائزة اقتصادية مهمة في ساحة متعددة الأقطاب.

ورغم النمو المتسارع لمصادر الطاقة المتجددة، ما يزال تأثير العراق في سوق الطاقة قائماً. فاستقراره النسبي بعد الحرب ضد تنظيم “داعش” أتاح فرصة للشركات الصينية والأمريكية للاستثمار في إعادة الإعمار والتنمية، مع ما يصاحب ذلك من نفوذ سياسي متزايد.

ماضٍ مضطرب

منذ إعلان الحكومة العراقية النصر على “داعش” في كانون الأول/ديسمبر 2017، سعت كل من حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية في بغداد إلى جذب الاستثمارات عبر مبادرات محددة، من بينها صندوق التوطين الذي أُنشئ في تشرين الأول/أكتوبر 2024 باتفاق مع شركة إلسويدي إليكتريك المصرية لجذب الاستثمارات الأجنبية في قطاعات غير نفطية بهدف تنويع الاقتصاد.
ورغم هذا الانفتاح، ظلّت الهشاشة الأمنية تعيق الاستثمارات الكبرى، بسبب مخاوف من تجدّد العنف، خاصة من الفصائل الشيعية المدعومة من إيران أو احتمال عودة “داعش”، إلى جانب الاضطرابات الإقليمية المتصاعدة منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023.

تلاقي نماذج الاستثمار

تختلف النماذج الأمريكية والصينية للاستثمار جذرياً، لكن العراق يمتلك فرصة للاستفادة من كليهما. فالنموذج الأمريكي يركّز على الشفافية والإصلاح الإداري ومشاركة المجتمع المدني، بينما يفضّل النموذج الصيني السرعة وتنفيذ مشاريع بنية تحتية ضخمة برأسمال موجه من الدولة دون شروط سياسية.
اقتصادياً، تعتمد الولايات المتحدة على الشراكات بين القطاعين العام والخاص وتحرير السوق، بينما توظف الصين استثماراتها عبر شركات مملوكة للدولة وقروض ميسّرة، وهو ما تجسّد في اتفاقيات النفط مقابل البنية التحتية في العراق.

الاستراتيجية الأمريكية: الأمن ثم الاستثمار

منذ غزو 2003، انتهجت الولايات المتحدة مقاربة متعددة المحاور:
أنشأت قواعد عسكرية لدعم الحكومة الانتقالية ومكافحة الإرهاب، واعتمدت على مؤسسات تنموية مثل البنك الدولي والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، التي موّلت برامج إعمار عاجلة ضمن مشروع المساعدات السريعة للعراق (IRAP)، كما دعمت قروض صندوق النقد الدولي لتشجيع الإصلاح النقدي.
وبعد هزيمة “داعش”، بدأت الشركات الأمريكية توسع استثماراتها في البلاد، لا سيما في قطاع الطاقة. فشركتا بيكر هيوز وجنرال إلكتريك للطاقة استثمرتا بكثافة في شبكة الكهرباء العراقية. ففي كانون الأول/ديسمبر 2020، أنجزت GE تطوير محطة القدس، مضيفة 125 ميغاواط للشبكة الوطنية، كما حسّنت أداء 46 توربيناً غازياً في 12 محطة أخرى.
وتأتي هذه الجهود في وقت يعاني فيه العراق من انقطاع التيار نحو 12 ساعة يومياً صيفاً. كما تشارك شركات أمريكية في تطوير حقل نهر بن عمر في الجنوب، المتوقع أن ينتج 300 ألف برميل نفط يومياً و700 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً.

بوجه عام، اعتمدت الاستراتيجية الأمريكية في العراق على خلق بيئة أعمال آمنة من خلال الإصلاحين الأمني والمالي لجذب الاستثمارات الخاصة، والتي لم تنشط إلا بعد استتباب الأمن.

الاستراتيجية الصينية: بنية تحتية بلا تدخّل

أما الصين، التي لا تتردد في الاستثمار في المناطق غير المستقرة، فقد رأت في العراق فرصة ذهبية للوصول إلى النفط والبنية التحتية في الشرق الأوسط. فمنذ 2015، استثمرت أكثر من 10 مليارات دولار في العراق عبر مبادرة الحزام والطريق، لتصبح رابع أكبر دولة مستقبلة للاستثمارات الصينية.
وتُعد الصين الوجهة الأولى لصادرات العراق بين 2019 و2023، وتشكل صادرات النفط الخام 99.3% منها.
ورغم الاضطرابات الأمنية، لم تتوقف الشركات الصينية عن الاستثمار؛ إذ اشترت شركة CNPC أولى رخص التنقيب بعد الغزو، وفازت في 2008 بعقد قيمته 3.5 مليارات دولار لتطوير حقل الأحدب، لتصبح بحلول 2014 أكبر مستثمر أجنبي في العراق.
كما موّلت الصين مشاريع طرقات واتصالات وتعليم، أبرزها استثمارات شركة هواوي في تطوير البنية التحتية للاتصالات والطاقة الشمسية، وإنشاء برامج تدريب في الجامعات العراقية.
وفي 2019، وقعت بغداد اتفاقاً مع بكين بقيمة 10 مليارات دولار لمدة 20 عاماً لتبادل النفط مقابل مشاريع البنية التحتية، تلاه عقد آخر في 2021 لبناء 1000 مدرسة بتمويل صيني مقابل النفط. وتشير بيانات S&P Global إلى أن الشركات الصينية تملك 7.27% من مشاريع النفط والغاز في العراق، مقابل أقل من 2% للشركات الأمريكية.
وتتبنّى الصين خطاباً يميّزها عن واشنطن، مؤكدّة مبدأ عدم التدخل واحترام السيادة العراقية، وهو ما تعتبره ميزة استراتيجية تمنحها أفضلية في المنافسة على المشاريع.

قرارات حاسمة

يمكن للعراق الاستفادة من النموذجين معاً؛ باستخدام السرعة الصينية في تنفيذ البنية التحتية كالمواصلات والطاقة والإسكان، والخبرة الأمريكية في تعزيز الشفافية وبناء المؤسسات.
لكن ذلك يتطلب استراتيجية وطنية واضحة للاستثمار تربط المشاريع القصيرة الأمد بأهداف التنمية طويلة المدى، وتُقوّي الرقابة وتنويع التمويل. كما يجب إلزام كل مشروع بـنقل المعرفة إلى الكوادر المحلية، وإنشاء هيئة لمكافحة الفساد في المشاريع الممولة خارجياً.
ويساعد إنشاء صندوق سيادي في تعزيز الاستقرار الاقتصادي وتطوير الخدمات العامة وضمان مستقبل الأجيال المقبلة من عائدات النفط.
وإذا نجحت هذه المقاربة، يمكن أن يصبح النموذج العراقي مثالاً للتوازن بين القوتين العظميين في تحقيق مكاسب متبادلة، خصوصاً أن الصين لا تحمل إرثاً عسكرياً سلبياً في العراق، بخلاف الولايات المتحدة، وهو ما قد يمنحها تفوقاً في كسب ثقة الحكومة والشعب.