لا يمكن المرور على الصور التي تعبر عن العراق دون المرور لأثر من آثار المهندس المعماري رفعة الجادرجي، بدءا من قاعدة نصب الحرية، أشهر معالم العاصمة بغداد، وليس انتهاءً بمبنى وزارة الصناعة، فضلا عن تصميم العلم العراقي الأزرق المثير للجدل والذي لم يعتمد.
في العاشر من نيسان 2020، رحل الجادرجي متأثرا بإصابته بفيروس كورونا، في منفاه الاختياري لندن، عن عمرٍ يُناهز 93 سنة.
والمفارقة أن التاسع من نيسان ذكرى إسقاط نظام صدام حسين، وتمثاله الشهير في ساحة الفردوس عام 2003، التمثال الذي بني على أنقاض نصب صممه الجادرجي، وهو نصب الجندي المجهول.
كان يشير نصب الجادرجي، الذي يقع في موقع مركزي في ساحة الفردوس ببغداد، إلى التقاليد العراقية، ويستلهم من النصب القوسي المماثل بالقصر الساساني، بطسيفون. وصف النصب بأنه عبر عن بنية بسيطة ورمزية وحديثة، وتكشف الرسومات التخطيطية للتصميم عن مصدر إلهام التصميم، والذي يشبه أمًا تنحني لالتقاط طفلها الشهيد.
لكن مسيرة الجادري بدأت قبل هذا النصب الذي كلف به عام 1959. فقد كانت أعمال الجادرجي الأولى مرتبطة بالخطاب الذي تبناه أعضاء مجموعة بغداد للفن الحديث وممثلة له، بما في ذلك النحاتان جواد سليم ومحمد غني حكمت والفنان المثقف شاكر حسن آل سعيد. اعتمدت تصاميمه على تجريد مفاهيم وعناصر المباني التقليدية وإعادة بنائها بأشكال معاصرة. ومع ذلك، أشار منتقدو الجادرجي إلى أنه على الرغم من تعاطف الجادرجي مع أهداف الجماعة، إلا أنه كان حداثياً في جوهره.
كانت أعمال الجادرجي الأولى في المقام الأول تختص بترميم وإعادة بناء المباني القديمة. واستمر الجادرجي في استخدام الزخارف العراقية القديمة في تصاميم بنائه. وتستلهم أعماله، مثل مبنى حسين جميل (1953)، ومستودع التبغ (1965)، سكن رفيق (1965) وبناية البريد المركزي (1975)، من الممارسات العراقية التقليدية لضبط درجة الحرارة من خلال التهوية الطبيعية، والساحات، وعكس الضوء. كما استخدم اللغة المعمارية المتمثلة في الأقواس والأرصفة المتجانسة التي تذكر الزوار بتاريخ العمارة العراقية القديمة. على الرغم من أن تصميماته غالبًا ما تستخدم عناصر محلية، إلا أنه غالبًا ما كان يدمجها في أشكال جديدة. في بعض الأحيان، اعتمد على التصميمات الخارجية التقليدية، لكنه صمم الديكورات الداخلية بصيغة أوروبية.
عمل الجادرجي في منصب رئاسة قسم المباني، في مديرية الأوقاف العامة ثم مديرا عاما في وزارة التخطيط في أواخر الخمسينيات، ورئيسا لهيئة التخطيط في وزارة الإسكان، وساعده ذلك في تطوير اهتماماته الهندسية.
في عام 1978، حكم على الجادرجي بالسجن مدى الحياة بتهم لا أساس لها خلال رئاسة أحمد حسن البكر. ومع ذلك، بعد أن أمضى قرابة عامين في سجن أبو غريب، أطلق سراحه عندما تولى صدام حسين السلطة. أراد صدام أن يشرف أفضل مهندس معماري في العراق على الاستعدادات لعقد مؤتمر عدم الانحياز في بغداد عام 1983 وللمساعدة في الخطط العامة لـ«منح بغداد عملية تجميل».أصبح الجادرجي مستشار الحسين المعماري لتخطيط مدينة بغداد للفترة 1982-1983. أثناء سجنه، كتب كتابًا عن العمارة، بعنوان الأخيضر والقصر البلوري، مستخدمًا عناصر هربتها زوجته إليه في سجن أبو غريب. وصف الكتاب بأنه «عمل أساسي ومهم» في موضوع العمارة العراقية.
في الثمانينيات، أصبح الجادرجي مستشارًا لرئيس البلدية، وهو الدور الذي جعله يشرف على جميع مشاريع إعادة الإعمار في بغداد. غادر العراق عام 1983 لتولي منصب أكاديمي في جامعة هارفارد. بعد بضع سنوات، ولدى عودته إلى بغداد، أحزنه التدهور الذي أصاب المدينة. وقال حينها «لا أصدق ما الذي جرى. لقد تحول كل شيء إلى خراب تقريبا، لقد تعرض العراق لغزوات ولم يستقر منذ فترات طويلة وهذا ما ينعكس باستمرار على التفاصيل الحياتية والعمرانية». عندما عاد إلى العراق في عام 2009، خيبت البلاد آماله بشكل كبير. وتضيف شرارة: «ذهبنا لمدة 10 أيام.» زرنا أربيل وبغداد، لكن الرحلة كلها أحزنته – مجرد رؤية ما حدث للعراق، وما أصبح عليه شارع الرشيد في بغداد، كان كافياً لإعادتنا إلى لندن. قرر هو وزوجته مغادرة العراق بشكل دائم واستقرا في لندن والتي أقام فيها بقية حياته، وبها توفي.
فاز كتابه المعنون “في سببية وجدلية العمارة” بجائزة الشيخ زايد للكتاب.
في عام 1954، تزوج من الناشطة الشيوعية بلقيس شرارة، وهي من مواليد مدينة النجف عام 1933، والحاصلة على بكالوريوس في الأدب الإنجليزي من جامعة بغداد عام 1956. ولم ينجبا أطفالًا لرفضهما فكرة إنجاب الأطفال وقال: «أنا وزوجتي قرّرنا ألا ننجب أطفالاً؛ لأن البشر يخرّبون الأرض».وتحدث الجادرجي في حديث مع ريكاردو كرم عن إلحاده. بعد دراسة الفلسفة مع زوجته بلقيس شرارة، توصل إلى فهم أن «الأديان نشأت من السحر». قال إنه يحترم الأديان كافة مع ذلك، وطلب بعد وفاته ألا يصلى عليه، وأن يحرق جسده.من أبرز أعماله قاعدة نصب الحرية، ومبنى اتحاد الصناعات الوطنية (1966)، مبنى المجمع العلمي العراقي (1966) ومبنى مجلس الوزراء (1975)، ومصرف الرافدين (1969)، ومبنى البريد المركزي، وشركة الأمين الوطنية في الموصل، وغيرها من الأعمال، فضلا عن عشرات الكتب والمقالات.