ما أن تطأ قدماك أرض الكاظمية قرب مرقد الإمامين الجوادين، وأرض ساحة التحرير تحت نصب الحريّة، حتى يأتيَ مَن يلبس كاميرته برقبته، ويقول لك: “صورة سريعة فوّرية”، لكنَّه قد لا يحصل على جواب في مرات عدة.
حملُ موبايلات حديثة، التي تحوي كاميرات فيها دقّة تضاهي تلك العدسة التي تلتّف حول رقبة المصوّر، جعل “الصورة المطبوعة”، عادةً منسيّة، خلال توثيق الزيارات.
“شكراً.. رحم الله والديك”
وفي بعض الأحيان، حينما تكون هناك مجموعة زائرين من 3 أشخاص، ويريدون أن يلتقطوا صورةً جماعية، ينادون على المصوّر الجوّال، ويطلبون منه أن يلتقط صورةً لهم، لكن ليس بعدسته.. بل بجوّالهم الذي يحملونه، ويقولون له فيما بعد: “شكراً.. رحم الله والديك”.
ويعود المصوّر الجوّال إلى مكانه الذي يتوسّط مسير الزائرين صوب المراقد، أو الأماكن الأخرى مثل ساحة التحرير، مُنتظراً أولئك الكبار في السن، الذين ما زال بعضهم لا يحملون هواتف ذكيّة، ويلتقطون صورهم التذكارية عبر كاميرات الجوّالين.
“الحنين” لألبومات الصور الورقية
علي مرتضى، مواطن من بغداد (35 عاماً) يقول لمنصّة “إيشان”: “عندما نذهب إلى الكاظمية المقدّسة، لا نصوّر في كاميرات المصوّرين، بل نستخدم أجهزتنا.. على عكس ما كان في السنوات الماضية، حين كنّا نقف منتظرين المصوّر ليفرغ من زبائنه، كي يلتقط لنا ما نستذكره لاحقاً”.
ويُخرج مرتضى لنا ألبوم صور قديماً، وفيه ما التقطوه خلال زياراتهم، أو مناسباتهم المنزلية، وتُظهرُ الصور، الوجوه ضاحكةً، لأنها ترى كاميرا تلتقط لهم صورةً مجتمعين، والكل يريد أن يظهر فيها.
التلفون يوقف الألبومات
وفضلاً عن الملامح القديمة في الوجوه، فإن الصور الورقية، تحمل تأريخاً في أحد جوانبها، وحين يقلّب مرتضى تلك الصور، يشرح عن كل واحدة ومناسبتها، وفي قلبّه غصّة حنين للماضي، ودمعة تختفي وراء ملامحه، حين رأى المتوفين في الصور.
ويكمل مرتضى: “أوقف التلفون الحديث هذه الألبومات، وبات الجميع يصوّر في تلفونه وتشتّت الصور، ولا تُجمع بألبوم يُمكن أن نستخرجه لاحقاً من خزنة الملابس.. وباتت صور التلفونات معرّضة للحذف في أي لحظة، إذا امتلأت الذاكرة، أو أصاب الجهاز خللاً ما”.
هذه الذكريات، يحنُّ لها المخضرمون، الذين عاشوا زمن الحصار، والحداثة معاً.. فهم يستلذّون بذكرياتهم، رغم المعاناة التي يعيشونها، فمرتضى يقول: “كانت الناس تختلف عن الآن.. كل شيء طبيعي ومن دون تصنّع”.
احتضار تصوير الجوّالين
لكنّّ الجيل الجديد، الذي نشأ على الحداثة والتكنولوجيا، يستهزئ بِمَن يحمل كاميرته، ويرى أنَّها باتت غير ضرورية بسبب وجود هذه التلفونات الحديثة، حسب ما يقول أحمد حسين (20 عاماً).
يُخرج أحمد تلفونه ذات الثلاث كاميرات، والذي اسمه “آيفون 13 برو ماكس”، ويستعرض صوره ودقّتها، ويقول: “لماذا ألتقط صورةً بكاميرا الجوالين، وأترك هذه العدسة التي تُخرج لي صورة كما أرغب”.
يضيف حسين لمنصّة “إيشان”: “قد يستخدم بعض الموديل هذه الكاميرات، لكن ليس عن طريق الجوّالين الذين يقفون قرب تلك الأماكن.. فنحن نعمل جلسات تصوير في بعض الأحيان، ونلتقط هذه الصور عند مَن واكب الحداثة، وفي أماكن نختار خلالها زوايا ولقطات مختلفة”.
اللجوء للإعلانات
علي حيدر، صاحب أستوديو تصوير في بغداد، يشرح لمنصّة “إيشان”، سبب احتضار التصوير قرب المناطق الدينية أو ساحة التحرير، محمّلاً مواقع التواصل الاجتماعي والحداثة، السبب في ذلك.
يقول حيدر: “كان الكثير يمتهن هذا العمل قبل ظهور الموبايلات، لكنهم اتّجهوا فيما بعد وهم يحملون كاميراتهم إلى أعمال أخرى، مثل تصوير الأعراس، أو العمل مع شركات أهلية لتصوير الإعلانات، أو التقاط الصور للمودل”.
ويضيف: “الصورة التي يلتقطها المصوّر ويطبعها، تكون بألف دينار فقط.. بينما يمكنه أن يجني أموالاً أكثر إذا ما اتّجه لليوتيوب، أو امتهان أعمال خاصة أخرى”.
محبّو الذكريات يحيون تصوير الجوّالين
وبالرغم من توفر الموبايلات، إلا أن الكثير من المصورين الجوّالين ما زالوا يقفون في أماكنهم، ينتظرون مَن يطلب صورة يلتقطها للتذكار، وبالفعل؛ يأتي إليه أولئك الذين يحبّون هذه الصور الورقية التذكارية.
ويقول أحمد محسن، مصور جوّال، ومحلّه قريب من مرقد الإمامين الجوادين: “ما زلت أقف هنا ألتقط صوراً تذكارية للزبائن، وخصوصاً أولئك الذين يأتون من دول أو محافظات أخرى”.
ويضيف محسن وهو يتوسّط مسير الزائرين صوب المرقد: “لم نعد نقف هنا لنصوّر ونطبع الصورة للزائرين فحسب، بل أن بعض الذين لا يمتلكون موبايلات تحوي كاميرات متطورة، نلتقط لهم صورةً، ونحوّلها إلى أجهزتهم من دون طباعتها”.
وعن إقبال المواطنين، يقول محسن لمنصّة “إيشان”: “الموبايل غيَّر كل شيء.. كان عملنا مزدهراً قبل أن تدخل الكاميرات الحديثة في الموبايلات، لكنّه الآن يقتصر على مَن يحب الصور التذكارية المطبوعة”.
والكثير من العراقيين يحبّون العبارة “ابتسم، حتى تطلع الصورة حلوة”، وهذه التي يقولها المصورون الجوّالون، وهم يلتقطون صوراً تذكارية لِمَن يرغب، مقابل ألف دينار، أو ألف وخمسمئة دينار فقط.
وتحوَّل عمل الكثير من المصورين، إلى طباعة الصور التي يأتي بها المواطنون، أو أنهم يتّجهون إلى الأعراس، وتصوير المناسبات بالشكل الذي يضيف فيه لمسات، تجعلها مختلفةً تماماً عما موجود في الموبايلات.