ما زال طلبة كلية الإسراء، الواقعة وسط العاصمة بغداد، يعيشون حالة “اضطراب ما بعد الصدمة”، إثر الحادثة التي شهدتها الجامعة، والتي كشفت عن حجم الفجوة الناتجة عن غياب الرصانة في تأسيس الكليات والجامعات الأهلية. هذه المؤسسات التي باتت أشبه بـ”محلات السوبر ماركت”، تنتشر في الأزقة والشوارع الضيقة، مع غياب شبه تام لشروط السلامة والأمان.
التعليم الأهلي في العراق: توسع عشوائي دون رقابة
يشهد العراق انفجارًا غير مسبوق في عدد الجامعات والمدارس الأهلية، التي تفتقر في معظمها إلى التخطيط والرؤية الواضحة. وعلى الرغم من الشعارات البراقة التي تروج لتحسين التعليم وتطوير الكفاءات، إلا أن الواقع يعكس مخرجات ضعيفة تُضاف إلى طوابير البطالة المتزايدة.
غياب معايير السلامة والأمان في هذه المؤسسات يزيد من قتامة المشهد. إذ تنتشر الكليات والمدارس الأهلية عشوائيًا في مناطق ضيقة، تفتقر إلى البنى التحتية والمساحات الخضراء، مما يجعلها بيئة غير آمنة للطلبة. لقد تحولت هذه المؤسسات إلى “دكاكين” يديرها المتنفذون والأحزاب، هدفها الأساسي تحقيق الأرباح، دون اكتراث بجودة التعليم أو سلامة الطلبة.
حادثة كلية الإسراء: نموذج للفوضى
حادثة اقتحام كلية الإسراء الأهلية من قبل شخص مسلح، أصاب عددًا من الطلبة وحراس الأمن، تعكس هشاشة الإجراءات الأمنية في هذه المؤسسات. كيف تمكن شخص يحمل ثلاث مسدسات من دخول الحرم الجامعي؟ ولماذا غابت الإجراءات الوقائية التي كان يمكن أن تمنع وقوع مثل هذا الحادث؟
وفقًا لشهادات الطلبة، أطلق المهاجم رصاصته الأولى على أحد حراس الأمن قبل أن يتخطاه ويدخل إلى الساحة الرئيسية، حيث أطلق النار عشوائيًا على الطلبة. هذا الحادث أثار مخاوف واسعة بين الطلبة، حيث تساءلوا عن جدوى وجود حراس الأمن في الجامعات، منتقدين تركيزهم على أمور سطحية كالتأكد من الهويات، بينما يفشلون في التصدي لمثل هذه الهجمات.
غياب الكفاءة في إدارة الأمن
الخبير الأمني سرمد البياتي أشار إلى أن ضعف الإجراءات الأمنية يعود جزئيًا إلى “المحاباة” في تعيين مسؤولي الأمن، الذين قد يفضلون الأقارب أو الأصدقاء على حساب الكفاءة. وأضاف أن “المهاجم دائمًا ما يكون له الأسبقية في تنفيذ هجومه، لكن ذلك لا يعفي الجامعات من مسؤولية اتخاذ إجراءات صارمة”.
السلامة والأمان: غياب الالتزام
من جهته، أوضح نؤاس صباح، مدير شعبة إعلام مديرية الدفاع المدني، أن العديد من الجامعات والمدارس الأهلية لا تلتزم بشروط السلامة والأمان، رغم المتابعة السنوية التي تجريها المديرية. وأكد أنه في حال عدم الالتزام، تُحال المؤسسات المخالفة إلى القضاء وفق قانون الدفاع المدني.
حادثة كلية الإسراء ليست سوى نموذج لحالة الفوضى التي تعيشها الجامعات الأهلية في العراق. التعليم الذي يفترض أن يكون منارة للمستقبل بات مصدر قلق وخطر للطلبة. هذه الحوادث تؤكد الحاجة الماسة لإعادة النظر في تنظيم هذا القطاع، ووضع معايير صارمة لضمان جودة التعليم وسلامة الطلبة، بعيدًا عن المصالح الضيقة التي حولت التعليم إلى تجارة مربحة على حساب الأجيال القادمة.