اخر الاخبار

الكشف عن لجنة سرية تدير الاقتصاد السوري يترأسها شقيق الشرع و”أبو مريم الأسترالي”

  كشف تحقيق أجرته رويترز إلى أن القيادة السورية الجديدة...

الشاب الذي لا يشيخ.. جورج عبد الله يودّع السجون الفرنسية بعد أربعة عقود من النضال

أربعون عاما قضاها اللبناني المؤيد للفلسطينيين جورج إبراهيم عبدالله...

بسام الساعدي يرد على المياحي: “ذبحة أو جلطة” أجبرتني على السفر إلى إيران للعلاج

خرج بسام الساعدي، أحد أبرز الأسماء المرتبطة بحادثة حريق...

أغلبها لأطفال وشباب.. العراق يسجل 500 حالة غرق في السنوات الثلاث الأخيرة

  أكد رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان فاضل الغراوي، يوم...

ذات صلة

بنايات الموت: كيف تحوّلت المستشفيات والمجمعات إلى محارق جماعية؟

شارك على مواقع التواصل

في لحظة خاطفة، تحوّل مبنى تجاري جديد وسط مدينة الكوت إلى مأساة وطنية، بعدما اندلع فيه حريق مروّع أودى بحياة عشرات الأشخاص، بعضهم تفحّم بالكامل، وآخرون اختنقوا داخل الحمامات.

مصادر مطّلعة أكدت لـ”إيشان” أن عدد ضحايا الحريق الذي اجتاح “هايبر ماركت” جديد في المدينة، تجاوز 77 قتيلًا، في حين تحدثت حكومة واسط عن 55 وفاة في حصيلة أولية رسمية، وسط استمرار عمليات البحث عن المفقودين.

المبنى المحترق، الذي كان مطعمًا في السابق، جرت إعادة تأهيله ليصبح مجمعًا تجاريًا ضخمًا، وافتتح قبل ثلاثة أيام فقط من وقوع الكارثة. وتشير المعلومات إلى أن البناية خضعت لعمليات تعديل دون أن تتضح حتى الآن طبيعة الترخيص أو مدى التزامها باشتراطات الحماية المدنية.

وبحسب المصدر ذاته، فإن مالك الهايبر ماركت هو أحد المستثمرين المعروفين في تجارة الزيوت. ولم يتسنّ التأكد مما إذا كانت البناية تحتوي على منظومة إطفاء أو مخارج طوارئ صالحة، لكن شهودًا تحدثوا عن سرعة انتشار النيران وصعوبة مغادرة الزبائن والعاملين للموقع في اللحظات الأولى من الحريق.

هذا الحادث ينتمي إلى سلسلة حرائق مروعة شهدها العراق خلال السنوات الأخيرة، طالت مستشفيات، وقاعات مناسبات، ومبانٍ مدنية أخرى، وتكررت فيها الأسباب ذاتها: غياب اشتراطات السلامة، واستخدام مواد سريعة الاشتعال، وضعف إجراءات الحماية.

حرائق قاتلة 

قبل سنوات من فاجعة الكوت، كانت مستشفى اليرموك في العاصمة بغداد على موعد مع مأساة مشابهة. حينها، أدى حريق اندلع داخل جناح الولادة إلى مقتل 13 طفلًا، وإصابة سبعة آخرين وأكثر من أربعين امرأة.

ورغم أن الترجيحات الأولى أشارت إلى خلل كهربائي، فإن لجنة التحقيق الرسمية أعلنت وجود آثار مادة حارقة، وأكد تقرير فني العثور على بقايا مادة بترولية (بنزين) في موقع الحريق، ما يعني أن الحادث كان متعمدًا.

وفي نيسان/أبريل 2021، اندلع حريق داخل مستشفى ابن الخطيب المخصص لعلاج مصابي كورونا، جنوب شرقي بغداد. وأسفر الحريق عن وفاة 82 شخصًا، وإصابة 110 آخرين، في واحدة من أكثر الحوادث دموية في تاريخ المستشفيات العراقية.

وبحسب بيان لمديرية الدفاع المدني حينها، فإن الحريق نجم عن انفجار أسطوانة أكسجين، وتسبب في اشتعال سريع بفعل وجود مواد فلينية في السقوف، وساعدت السقوف الثانوية القابلة للاشتعال على تمدد اللهب. كما أشار البيان إلى أن المستشفى كان خاليًا من منظومة الحريق، وأن كثيرًا من المرضى ماتوا بسبب انقطاع الأوكسجين أثناء الإخلاء.

بعد أقل من ثلاثة أشهر، اندلع حريق مشابه في مستشفى الحسين التعليمي بمدينة الناصرية، وتحديدًا في قسم العزل الصحي لمرضى كورونا. وتسببت ثلاثة انفجارات متتالية لأسطوانات أوكسجين في الحريق الذي طال الطابق المخصص للإنعاش الرئوي. وبلغ عدد الضحايا أكثر من 92 قتيلًا و110 جريحًا، بينهم اثنان من الكادر الطبي، بحسب وزارة الصحة.

وسجلت الحادثة انتقادات واسعة لغياب وسائل الإخماد داخل المستشفى، وصعوبة سيطرة فرق الإنقاذ على الحريق.

زفاف ينتهي بكارثة

لم تكن قاعات المستشفيات وحدها هدفًا للنيران، ففي أيلول/سبتمبر 2023، اندلع حريق ضخم داخل قاعة أعراس في قضاء الحمدانية بمحافظة نينوى، أثناء حفل زفاف حضره قرابة 900 شخص.

الحريق نشب بسبب إطلاق ألعاب نارية داخل القاعة، مما أدى إلى اشتعال السقف المغلف بمواد شديدة الحساسية للحرارة، بينما ساهم وجود مخزن للكحول في الموقع في انتشار اللهب.

الديكور المصنوع من مواد مخالفة لشروط السلامة، وسرعة الاشتعال في الأرضيات، إضافة إلى غياب مخرج طوارئ فعال، أدى إلى انهيار سقف القاعة بالكامل على رؤوس الحاضرين، وتسبب في مقتل 122 شخصًا، وإصابة 82 آخرين.

وبحسب مراقبين، فإن هذا الحريق كشف عن خلل بنيوي في تطبيق إجراءات السلامة داخل الأماكن العامة، خاصة تلك التي يُفترض أن تخضع لرقابة شديدة من قبل الدفاع المدني.

نمط واحد… وكوارث متعددة

الحوادث المتكررة التي وثقتها “إيشان” تكشف عن نمط مشترك في معظم الأبنية التي تعرضت لكوارث مشابهة:

  • غياب منظومات الإطفاء والإنذار.
  • عدم وجود مخارج وسلالم طوارئ فعّالة.
  • استخدام مواد غير مسموح بها مثل الكوبوند والسقوف الثانوية القابلة للاشتعال.
  • ترخيص غير مدقق أو غامض للبنايات العامة.

وبحسب مراقبين، فإن تكرار هذه العناصر في كل حادثة تقريبًا يشير إلى أن المشكلة ليست عرضية أو فردية، بل تمس بنية النظام الهندسي والإداري للبناء المدني في العراق، حيث تتحول أماكن يُفترض أن تكون للشفاء أو الترفيه أو العمل إلى “مصائد موت”.

ملف لا يُغلق.. ومصير معلّق

رغم ضخامة الكوارث التي أودت بحياة مئات المدنيين، فإن غالبية الملفات أُغلقت دون محاسبة علنية للمسؤولين عن التقصير أو التراخيص أو التنفيذ. وقلّما أُعلن عن نتائج واضحة للجمهور بشأن محاسبة المتورطين، باستثناء بيانات مقتضبة أو توقيفات محدودة.

وفي ظل غياب المحاسبة الصارمة، واستمرار استخدام المواد الممنوعة في البناء، وافتتاح مشاريع جديدة دون رقابة مشددة، يبقى السؤال مفتوحًا: كم من الكوارث نحتاج حتى يُعاد النظر في هندسة الموت؟