يوماً بعد آخر، يتراجع أمل رئيس الحكومة المنتهية ولايتها محمد شياع السوداني في الحصول على ولاية ثانية، وسط سلسلة تطورات متسارعة بدأت من ملف التنصّت، ولم تنتهِ عند ما نشرته جريدة الوقائع العراقية حول تصنيف حزب الله اللبناني وجماعة الحوثيين كيانين “إرهابيين”، قبل أن تؤكد الجهات المختصة لاحقاً أن ما ورد كان مسودة غير منقّحة.
ورغم التوضيحات الرسمية، لم تهدأ التفاعلات السياسية؛ إذ سارعت القوى المناهضة للولاية الثانية إلى استثمار الحدث، وفي مقدمتها ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، الذي بدا أكثر وضوحاً في رسائله بشأن انتهاء مرحلة السوداني.
وتزامناً مع الجدل، تصاعدت التلميحات على مواقع التواصل الاجتماعي عبر تدوينات مبهمة بمضمون شديد الوضوح؛ حيث كتب رئيس حركة البشائر، ياسر المالكي، عبر منصة “إكس”: “إكرام الميت دفنه” في إشارة مباشرة إلى انتهاء فرص السوداني بالولاية الثانية.
وفي السياق ذاته، غمز القيادي في دولة القانون عباس الموسوي السوداني قائلاً: “تسعة ناقص واحد = 8”، وهو تلميح يُفهم منه استبعاد زعيم ائتلاف الإعمار والتنمية من سباق الترشح لرئاسة الوزراء.
هذه التطورات، مجتمعة، تضع السوداني داخل ما وصفه ناشطون بـ”النفق المغمور”، في ظل ضغوط متزايدة من داخل الإطار التنسيقي وخارجه، وتنامي الشعور بأن التشابكات الأخيرة أعقد من أن تُعالج بالبيانات أو التوضيحات، لتصبح قضية الولاية الثانية أكثر الملفات إثارة وغموضاً خلال المرحلة الحالية.
تصنيف ثم تراجع خلال ساعات
وشهد العراق، اليوم الخميس، واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل منذ أشهر، بعدما نشرت جريدة الوقائع العراقية قرار لجنة تجميد أموال الإرهابيين رقم (61 لسنة 2025)، والذي تضمن إدراج حزب الله والحوثيين ضمن كيانات “إرهابية” إلى جانب 24 جهة أخرى، قبل أن تتراجع الجهات المختصة سريعاً مؤكدة أن الأمر كان “خطأً فنياً” نتج عن نشر مسودة قبل التنقيح.
القضية التي تفجّرت خلال ساعات قليلة أشعلت نقاشاً واسعاً داخل الأوساط السياسية والشعبية، ووضعت الحكومة أمام تساؤلات كبيرة حول آليات اتخاذ القرار ودقة مسار التصنيف المالي والأمني في البلاد.
التراجع الرسمي: خطأ فني ومسودة غير مكتملة
لم تمر ساعات على نشر القرار حتى أصدرت لجنة تجميد أموال الإرهابيين بياناً أوضحت فيه أن إدراج حزب الله والحوثيين جاء عن طريق الخطأ، وأن النسخة المنشورة لم تكن النسخة النهائية.
وأكدت اللجنة أن الموافقة العراقية اقتصرت على طلب قُدم من دولة ماليزيا لإدراج كيانات وأفراد مرتبطين بتنظيمي داعش والقاعدة، استناداً إلى قرار مجلس الأمن رقم 1373 لسنة 2001، فيما سيتم رفع الأسماء غير المعنية من العدد الجديد للوقائع.
ورغم هذا التوضيح، استمرت التساؤلات حول كيفية وصول مسودة غير مكتملة إلى الجريدة الرسمية، خصوصاً في توقيت شديد الحساسية يتعلق بمفاوضات تشكيل الحكومة المقبلة.
انعكاسات سياسية وأبعاد خارجية
وقوع الخطأ في هذه اللحظة الحرجة منح خصوم السوداني مادة جاهزة للضغط السياسي، فيما أثار الحدث موجة تأويلات خارجية، خاصة أن إدراج حزب الله والحوثيين—حتى لو بالخطأ—يحمل دلالات إقليمية تتصل مباشرة بالعلاقة مع إيران وحلفائها.
كما أعاد ما حدث طرح الأسئلة حول بنية لجان التصنيف والتجميد، وآليات اعتمادها على التصنيفات الدولية والمصادر الأجنبية دون مراجعة دقيقة.
وبين النشر والتراجع، لم تمر سوى ساعات، لكنها كانت كافية لإحداث هزة سياسية وإعلامية كبيرة، مرشحة للتمدد خلال الأيام المقبلة بالتزامن مع احتدام ملف الولاية الثانية.
السوداني يوجّه بالتحقيق
الحدث نغّص على السوداني فرحة افتتاح المقطع الأول من طريق التنمية وزيارته للنفق المغمور؛ إذ وجّه بإجراء تحقيق عاجل وتحديد المسؤوليات ومحاسبة المقصرين في ما ورد في قرار لجنة تجميد أموال الإرهابيين، وفق بيان صادر عن مكتبه.
وقال البيان إن موافقة الجانب العراقي اقتصرت على إدراج الكيانات والأفراد المرتبطين بتنظيمَي داعش والقاعدة، وإن إدراج جهات أخرى جاء دون وجه حق.
وأضاف البيان أن: “مواقف الحكومة السياسية والإنسانية من العدوان على أهلنا في لبنان وفلسطين هي مواقف مبدئية لا تخضع للمزايدات، وتعكس إرادة الشعب العراقي بكل أطيافه، وأن لا أحد من المتصيدين يمكنه المزايدة على مواقف الحكومة العراقية الراسخة في دعم حقوق الشعوب ورفض الاحتلال والعدوان والإبادة والتهجير القسري”.
