منذ شروق شمس اليوم الأربعاء، تحركت وحدات أمنية من الجيش والرد السريع عبر شوارع العمارة ومدن محافظة ميسان، في مشهد لافت. كانت نقاط التفتيش الجديدة تنتشر بسرعة، والآليات العسكرية تتدفق من خارج المحافظة، إيذانًا ببدء واحدة من أوسع الحملات الأمنية التي تشهدها ميسان في العقد الأخير.
مجلس المحافظة، وعلى لسان رئيسه مصطفى المحمداوي، أعلن أن العملية ليست مجرد إجراء عابر، بل “رؤية أمنية شاملة لإعادة هيبة الدولة”، بعد أن وصلت معدلات الانفلات الأمني إلى مستويات وُصفت بـ”المتدنية جدًا”.
المحمداوي لم يُخفِ حجم المأساة: “ثلاثة ضباط قُتلوا مؤخرًا، وعجز ضباط آخرون عن حماية أنفسهم، وسط تصاعد حوادث الاغتيال والنزاعات العشائرية”.
ولفت إلى أن “لجنتي الأمن والدفاع، وبعد اللقاء الأخير برئيس الوزراء محمد شياع السوداني، كان لهما طلب وهو فرض القانون بالقوة، وأمس دخلت القوة لحفظ الأمن في ميسان، ويجب التعاون معها للقضاء على المطلوبين ومستخدمي العجلات المظللة والدراجات النارية المستخدمة في الاغتيالات والقتل”.
وبيّن: “ستكون هناك رقابة مركزية يقودها رئيس الوزراء؛ لضمان القضاء على الخارجين عن القانون والمطلوبين”، موضحًا أن “بعض حالات الاغتيال شهدت اتهام أشخاص غير معنيين بالجريمة، وهذا أبرز الأسباب التي دفعت مجلس المحافظة لتقديم طلب لتطبيق خطة لحفظ الأمن في ميسان”.
وقال إن “تبديل القيادات الأمنية في ميسان ليس هو نقطة الخلل، لكن التدخلات السياسية لبعض البرلمانيين، والمتمثلة بالتدخل الصارخ في عمل الأجهزة الأمنية، جعلت ضباط الأمن لا يتمكنون من أداء واجباتهم بشكل صحيح”.
أوامر الرد السريع جاءت حاسمة: لا مكان للعجلات المظللة أو الدراجات النارية التي طالما استُخدمت في الاغتيالات، وملاحقة المطلوبين دون تأخير.
قائد عمليات ميسان، اللواء الركن جليل عبدالرضا محمد الشريفي، الذي يشرف على الانتشار الميداني، أكد أن المهمة واضحة: “فرض هيبة الدولة وبسط سلطة القانون، وعدم التهاون مع أي خرق أمني”.
وشدد القائد على “عدم التهاون مع المخالفين ومنع الخروقات الأمنية والضرب بيد من حديد على كل من تسوّل له نفسه المساس بأمن محافظة ميسان وأهلها”.
فيما أكد آمر قوة الرد السريع المكلّفة بالانتشار في محافظة ميسان أن “توجيهات المراجع هي فرض الأمن وتطبيق القانون، ولا تهاون مع الخارجين والعابثين بأمن المحافظة”.
مصادر أمنية قالت لـ”إيشان” إن العملية جاءت بأمر مباشر من القائد العام للقوات المسلحة، ردًا على موجة جرائم ونزاعات عشائرية أربكت الحياة العامة وأثارت قلق الشارع. الخطة تتضمن إجراءات ردع فورية، مع ملاحقة المطلوبين بقضايا جنائية وفرض انتشار دائم في مناطق النزاع.
وتشهد محافظة ميسان منذ سنوات سلسلة خروقات أمنية متكررة، يغذيها السلاح المنفلت والصراعات العشائرية التي تتحول في كثير من الأحيان إلى مواجهات مسلحة داخل المدن والأرياف، ما أودى بحياة عدد من ضباط الشرطة والأمن، وكرّس بيئة مضطربة تعجز الأجهزة الأمنية عن ضبطها بالكامل.
وكان رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني قد انتقد، يوم الاثنين الماضي، تراجع أداء الأجهزة الأمنية في محافظة ميسان، مشيرًا إلى أن هذا الضعف أسهم في تكرار حوادث النزاعات العشائرية والجرائم الجنائية.
جاء ذلك خلال استقباله محافظ ميسان حبيب ظاهر الفرطوسي، وعددًا من أعضاء مجلس المحافظة.
وأكد السوداني خلال اللقاء، بحسب بيان لمكتبه ورد لوكالة شفق نيوز، “أهمية حفظ الأمن بمحافظة ميسان، وإنهاء النزاعات العشائرية والجرائم الجنائية التي تقع بين الحين والآخر، بسبب ضعف أداء الأجهزة الأمنية”.
من جانبه كشف النائب عن محافظة ميسان، رائد المالكي، يوم السبت الماضي، عن معاناة محافظته من حالات قتل ونزاعات عشائرية، مؤكدًا أنها لم تُعالج رغم استمرار عادة تغيير القيادات الأمنية واستبدالها.
وقال المالكي، خلال مؤتمر صحفي عقده في مبنى البرلمان، وحضره مراسل وكالة شفق نيوز، إن “عدد قادة الشرطة الذين تولوا منصب قائد شرطة محافظة ميسان بلغ 6 ضباط، بمعدل قائد شرطة كل ستة أشهر”، مبينًا أن “الوضع الأمني في محافظة ميسان يشهد تراجعًا مستمرًا خلال العام 2025”.
وأشار إلى أن ضعف القيادات الأمنية والعسكرية، والتدخلات الحزبية، وتسرب العناصر الأمنية والموارد البشرية، وانتشار ظاهرة ما تُسمى بـ”الفضائيين”، أدت إلى تدهور الأوضاع، لافتًا إلى أن عدد العناصر المتواجدين فعليًا في النقاط الأمنية والأفواج أقل بكثير مما هو مثبت على الورق.