اخر الاخبار

أمنوا الأرزاق وكدسوا المياه.. قوة خاصة لرصد محاولات ضرب التحالف الدولي

قرر جهاز مكافحة الإرهاب، تشكيل قوة خاصة لرصد أي...

عراقيات أكبر من عمر الدولة العراقية يكشفهن التعداد السكّاني

كشف التعداد السكاني، الذي لم ينتهِ إلى الآن، نسوة...

لبنان تدخل تعديلاتها على مقترح وقف إطلاق النار.. هذه شروطنا للموافقة

كشف مسؤول لبناني كبير، اليوم الخميس، أن بلاده تسعى...

عبر كابلات الشحن.. طريقة مبتكرة لسرقة معلوماتك وبياناتك

خرجت تقارير صحفية خلال الأيام الماضية لتكشف عن كابل...

“قرار تاريخي”.. العراق يدعو العالم للقبض على نتنياهو وتسليمه للجنائية الدولية

أصدرت الحكومة العراقية، بياناً بشأن إصدار مذكرة اعتقال بحق...

ذات صلة

حمّامات السوق الشعبية.. غسل وتشحيم البشر يزدهر في بغداد

شارك على مواقع التواصل

 

كما أن بغداد حاضرة الشرق الأوسط شعراً وفناً وموسيقى وفلسفة وتنظيراً دينياً وعلمياً ، فإنها أيضاً واحدة من أشهر مدن العالم ولعاً وعشقاً للحمّامات الشعبية، ويشير المؤرخ ياقوت الحموي في معجم البلدان إلى أن المدينة المدورة هي: “أم الدنيا وسيدة البلاد”.

ولأم الدنيا هذه حكاية طويلة جداً مع الحمّامات المنتشرة في مناطقها وعلى ضفاف نهره دجلة، حيث ذكر التاريخ أن عشرة آلاف حمّام كانت في بغداد في العصر العباسي الأول، ليقول على إثر ذلك الفلكي الشهير أحمد بن الحسن “وجدت مساحة بغداد كلها حمّامات ثم طلبت بغداد فلم أجدها من كثرة حماماتها”.

والحمّام بتشديد الميم الوسطى مكان الاغتسال يقولون استحم أي اغتسل بالحميم، والاستحمام بالماء الساخن هو الأصل، ثم عُمم اللفظ على الاغتسال عموماً وبأي ماء، قال ابن سيدة: الحمّام والحميم والحميمة جميعاً الماء الحار، وقال سيبويه: “الاستحمام بالماء الحار وهو الاغتسال بأي ماء كان”.

ويقول الحاج عمران عبدالكريم البغدادي وهو أحد المهتمين بالتراث القديم، إنه “ومنذ عصور موغلة بالقدم تحدث المؤرخون عن حمّامات السوق البغدادية، ففي الفترة العباسية ومنذ بناء بغداد وحمّاماتها زخرت بالحكايات، وكانت الأحداث تمر على الحمّامات وتخرج منها في ذلك الزمن”.

كانت “الحمّامات” العباسية التي شيدت في القرنين الثاني والثالث وما تلاهما من القرون، آية من آيات الحسن والفن المعماري، وقد وصفها “ابن بطوطة” في زمن متأخر من القرن الثامن الهجري، فقال: “وحمّامات بغداد كثيرة وهي من أبدع الحمّامات، وأكثرها مطلية بالقار مسطحة به، فيخيّل لرائيه أنه رخام أسود”.

غسل وتشحيم

ولأن غرائزية البشر تحتم عليهم تطوير حياتهم وأساليبهم في العيش والترفيه، تحوّلت حمّامات العاصمة بغداد، في هذا الزمن، إلى مقصد هام للشباب من أجل “الراحة والاستجمام والشعور بأنه هناك من يدلك ظهرك ويخرج منك الجلد الميت ويدفنك بالملح، بلا منية أحد”، كما يقول أثير علي، الخبير في مجال العناية بالرجل.

ويضيف أثير: “خلال السنوات العشر الأخيرة شهدت بغداد تطوراً كبيراً في مجال الاهتمام بالحمّامات الشعبية، فحتى وقت متأخر كانت مهملة بطريقة كبيرة، وساءت سمعتها وتجنب البغداديون الذهاب إليها بسبب ذلك”.

ويتابع، وهو مختص في مجال العناية بالرجل: “انتظرنا كثيراً حتى يلتفت المستثمرون لهذا المجال الذي يحتاج إلى رأس مال كبير لتشييد حمّامات وفق المواصفات الحديثة”.

ويوضح: “بغداد تشهد حالياً ثورة في مجال الحمامات الرجالية، فهي تحولت إلى مقصد شبابي أيام الصيف والشتاء، ومكان رئيسي للعرسان قبل توجههم للزفة”.

أبو رحمة “المدلگچي” العامل في أحد الحمّامات، يقول لـ”إيشان” وهو يشير إلى المصطبة التي يتمدد عليها الزبائن “هنا نعيد غسل وتشحيم البشر، فهذه المصطبة تمدد عليها رجال من مختلف الفئات العمرية والاجتماعية، وكلهم يخرج منهم الجلد الميت، فقيرهم وغنيهم، فهنا في هذا الحمّام، الناس سواسية كأسنان المشط”.

ويضيف “هذه أصابعي لا تفرق، فأنا أحب عملي، وأحب أن يخرج الجميع من الحمّام الذي أعمل فيه، وهو يشعر بالراحة.. أساس عملنا هذا، راحة وتسلية وترفيه”.

ويتابع أبو رحمة وهو يومي لنا بيديه الغليظتين “هذه يدي تعمل منذ 20 عاماً بهذا المجال، اضطررت احيانا للعمل في مهن اخرى، بسبب تراجع الاقبال على الحمّامات، لكن بغداد تشهد حالياً فترة ازدهار لم نعرفها سابقاً، ونتمنى أن تستمر ويكون قطاعاً حيوياً يحظى باهتمام الحكومة والمستثمرين”.

وبشأن الأسعار الخاصة بالحمّامات يوضح أبو رحمة “هناك عروض في أغلب الحمّامات يمكن أن تحصل عليها لقاء 25 ألف دينار على أقل تقدير، لكن المساج أو التدليك أو الحصول على مشروبات ساخنة بحساب لوحده”.

ويردف “أتقاضى 10 آلاف دينار عن كل جسد، بعيداً عن حساب الدخولية أو ما شابه، وهناك نسبة تأخذها مني الجهة المالكة للحمّام في نهاية كل يوم وعلى عدد من تمددوا على مصطبتي”.

وتأثرت الحمامات الشعبية بالمتغيرات السياسية والاقتصادية والأمنية لما بعد العام 2003، كحال أغلب مقاصد العراقيين أيام النظام السابق، وبقيت بوضعها السيء، قبل أن يلتفت لها المستثمرون مستغلين الاستباب الأمني والتقنيات الحديثة في حمايتها من خلال كاميرات المراقبة وأجهزة الاستشعار الخاصة بالدفاع المدني وغيرها، وايضاً التطور الحاصل في مجال تقنيات الساونا وأنواعها، والجاكوزي والمسابح، والغرفة التي تقدم خدمات متنوعة مثل التدليك والمساج والعناية بالشعر والجسد، واحتوائها أيضاً على مقاهي داخلية تقدم “الارجيلة والشاي والعصائر ومختلف المأكولات والمشروبات”.

وهنا يشير الكوافير أثير علي صاحب صالون “مودرن” المعروف في بغداد، إلى أن “الحمامات لم تعد تقتصر على نظافة الجسد بل صارت ملتقى اجتماعي وترفيهي يمكن ان تقضي فيها نهار كامل دون أن تشعر بالملل، بسبب تعدد وسائل الراحة والاستجمام”.

لمحة تاريخية

وهنا لابد أن نشير إلى أن حمّامات بغداد في العصر العباسي، كانت أيقونات معمارية وحضارية، جذبت السياح والرحالة والأمراء والسلاطين وعامة الشعب، طيلة الحقبات التاريخية، قبل أن يلتهما عامل الزمن والمتغيرات الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية في بغداد، لتندثر وتبقى أطلالها وسط العاصمة بغداد حتى يومنا هذا.

ولم تعد حمّامات بغداد بذلك الاهتمام الهندسي والمعماري، بل صارت بمساحات صغيرة، وغرف متعددة، ومسبح عام، كما أن مظهرها الخارجي والداخلي، لا يوازي أبداً الحمّامات العباسية، لكنها تحتوي على ما يمكن للزبون أن يحتاجه من أجل راحته واستجمامه.

ومن أشهر حمّامات الحقبة العباسية وما بعدها، “حمام شامي” الذي يعود تاريخه إلى القرن السادس عشر الميلادي وهو دون مستوى الأرض والنزول إليه يتم بسلم من ست درجات والحمام الثاني هو “حمام أيوب” والثالث حمام “الجسر” ويقع في مدخل جسر المأمون من جهة الكرخ وحمام “الملوك” الذي شيد عام 1900 ميلادية، ويقع في منطقة الكاظمية وما زال قائماً ببنيانه التراثي والذي بقي محافظاً عليه من زحف الأبنية الحديثة، وبجانبه حمام “الملوك” للنساء، أما الحمام الخامس فهو حمام “المعروف”، هذا من جانب الكرخ.

أما في جهة الرصافة فهناك منها حمام “حيدر” وهو من الحمامات القديمة والمشهورة بقسميه الرجالي والنسائي، نسبة إلى حيدر جلبي الثري المعروف، إضافة الى ذلك كان هناك حمام “الشورجة” وحمام “بنجة علي” وحمام “كجو” وحمام “الباشا”، وحمام “المالح”، إلا أن أشهر حمامات الرجال في بغداد كان حمام “يونس” قرب باب المعظم وحمام “القاضي” بجانب المحكمة الشرعية وهذا الحمام كان رواده من تجار بغداد.

أما في وقتنا الحالي، هناك الكثير من الحمّامات التي يقصدها الشباب والرجال والأطفال، منها “أكابر بغداد،
الأفندي، باشوات بغداد،حمّام المدينة، حمّام البيضاء، حمّام السلطان التركي، وعدد آخر منها، بينها مخصصة للنساء”.