يواجه مربو النحل في البصرة خطر انهيار إنتاج العسل مع تفاقم أزمة الملوحة والجفاف التي تضرب شط العرب، بحسب تقرير لوكالة رويترز، إذ حذّر مختصون من تراجع الإنتاج إلى النصف هذا الموسم، وفقدان آلاف الخلايا والمناحل بفعل الظروف البيئية القاسية.
أدناه نص التقرير:
كانت النحل تزدهر بين بساتين النخيل على ضفاف شط العرب، حيث يلتقي دجلة والفرات، لكن الجفاف حوّل الأشجار الخضراء إلى هياكل ذابلة، مهدداً حياة المناحل المنتشرة على ضفاف النهر.
في مدينة البصرة التاريخية، يكافح مربّو النحل – الذين يتبعون تقاليد تمتد لقرون – لإنتاج العسل مع تفاقم ملوحة مياه شط العرب، وارتفاع درجات الحرارة والجفاف المستمر الذي أخلّ بالنظام البيئي الحساس للنحل.
يقول محمود شاكر (61 عاماً)، أستاذ في جامعة البصرة وصاحب منحل: “النحل يحتاج إلى مياه نظيفة… غياب هذه المياه يؤدي إلى نفوقه”.
البصرة كانت مشهورة بعسلها
كانت ضفاف شط العرب أشبه بغابة خضراء تتغذى فيها النحل وتنتج عسلاً عالي الجودة، شكّل مصدر دخل أساسياً لمربي النحل في الجنوب.
لكن عقوداً من الصراعات والتغير المناخي أجهزت على معظم الغطاء النباتي، تاركة أقل من ربع نخيل شط العرب على قيد الحياة – نحو 3 ملايين نخلة اليوم بعد أن كان عددها يناهز 16 مليون نخلة في ذروته.
وبحسب معاون مدير مكتب وزارة الزراعة في البصرة، الدكتور محمد مهدي مزعل الدراوي، كان هناك أكثر من 4 آلاف خلية نحل في ما لا يقل عن 263 منحل حول المدينة. لكن بفعل الحروب والظروف البيئية القاسية، تضرر نحو 150 منحل، وفُقد ما لا يقل عن ألفي خلية.
ويقول الدراوي: “الظروف البيئية والمياه المالحة ألحقت أضراراً جسيمة بالنحل. بعض المربين فقدوا كامل مناحلهم”.
وتوقّع الدراوي أن ينخفض إنتاج العسل هذا الموسم بما يصل إلى 50% مقارنة بالعام الماضي.
وأضاف أن إنتاج العسل في البصرة بلغ ذروته عند نحو 30 طناً سنوياً، لكنه أخذ في التراجع منذ 2007-2008، ليهبط خلال السنوات الخمس الأخيرة إلى 12 طناً فقط، مع توقعات ألا يتجاوز الإنتاج هذا الموسم ستة أطنان.
عقود من الحروب… وأزمة مياه اليوم
شهد العراق عقوداً من الحروب – من حربه مع إيران في الثمانينيات، مروراً بحرب الخليج أوائل التسعينيات، وصولاً إلى الغزو الأميركي عام 2003 وما تبعه من عنف وتمرد وصعود ثم سقوط تنظيم داعش.
لكن التحدي الأحدث يتمثل في أزمة المياه التي تهدد مجمل النظام البيئي في البلاد.
تراجعت مناسيب دجلة والفرات بشكل حاد، بفعل السدود المقامة في دول المنبع، خصوصاً تركيا، ما سمح لمياه الخليج المالحة بالتوغل في مجرى شط العرب ورفع ملوحته إلى مستويات غير مسبوقة.
الضفاف التي كانت يوماً غنية بالرحيق والزهور، دُمّرت بفعل الملوحة، فيما تكابد النحل حرارة قاسية تصل صيفاً في البصرة إلى 50 مئوية، بحسب شاكر.
ومع استمرار ارتفاع ملوحة المياه، ما تزال أعداد النحل مهددة بالانخفاض. ويؤكد الدراوي أن بعض مناطق ضفاف شط العرب جنوب البصرة توقفت بالفعل عن الإنتاج.
ويحذّر قائلاً: “إذا استمرت أزمة المياه بهذه الوتيرة خلال العام المقبل، لا سيما إذا وصلت الملوحة إلى مناطق شمال البصرة، فسيتوقف إنتاج العسل بالكامل”.