في العاشرة مساءً من ليلة أمس، وبينما كانت محال وبسطات شارع النيل وسط الناصرية، تستعد للاغلاق، كان المدرب صلاح الخفاجي يقطع الشارع عبر كرسيه المتحرك، في حركة مألوفة لمعارفه الذين رأوه في تلك الليلة، وأسفل جسر النبي إبراهيم، أخرج مسدسه الشخصي وأطلق النار على نفسه.
“لم أصدق ذلك”، يقول أحد أصدقاء صلاح لمنصة “إيشان”: “قابلته مساء يوم أمس قبل الحادثة بدقائق في شارع النيل، ألقيت عليه التحية، ولم يبد عليه أي خطب، وبينما وصلت إلى المنزل سمعت أنه أطلق النار على نفسه أسفل الجسر”.
نُقِلَ صلاح إلى المستشفى بعد الحادث، وبقي في العناية المركزة حتى الرابعة من فجر اليوم، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة.
ويضيف صديق صلاح قائلا: “لدينا اتصال مستمر، لم ألحظ عليه أي علامة على الاكتئاب، ولم أسمع بحدوث مشكلة معه، ولم يبلغني بخطب ما.. قبل أربعة أيام احتاج مساعدتي لتسهيل معاملة والدته في إحدى دوائر الدولة، لا شيء مختلف فيه، كان يمزح ويشاكس كما نعرفه تماما”.
مَن صلاح الخفاجي؟
“قضى نصف حياة وشبابه على كرسي متحرك ولم ينكسر يوم حارب الإعاقة وحقق الانجازات في المدرسة التخصصية للملاكمة، وصنع جيلاً من الملاكمين الأشبال والناشئين، لكن سبحان الله اقدم على إنهاء حياته بيده”، مدون على “فيسبوك”.
أحد معارف المدرب صلاح يتحدث لمنصة “إيشان” قائلا: “كان صلاح مشاكسا في مرحلة مراهقته، وتعرض للطرد من المدرسة بسبب ذلك، ولاحقا برز اسمه في الملاكمة، لكن رصاصة في ظهره خلال مشاجرة، أقعدته عن حلمه”.
وتابع: “استأنف حلمه في الملاكمة عبر بوابة التدريب، إذ إنه أسس مدرسة لتدريب الناشئين على الملاكمة في عام 2014، ولم يحصل على دعم حكومي يذكر، وكان ينفق من ماله الخاص على توفير تجهيزاتها، وحتى إقامة البطولات كذلك”.
وفي مقابلات عديدة متلفزة، أشار المدرب صلاح إلى غياب الدعم الحكومي عن هذه المدرسة.
يتحدث حسين، وهو أحد الملاكمين الشباب، عن المدرب صلاح قائلا: “إنه يرفض الكبار في العمر، ومدرسته مفتوحة للفتية، وقواعده صارمة، وكان يركز كثيرا على الجانب التربوي”، مشيرا إلى أن “خبر انتحاره غير قابل للتصديق بالنسبة لي، أخذ حصة تدريبية في الليلة التي سبقت انتحاره، وحساباته على منصات التواصل نشطة، ولا يبدو أن هناك خطب ما”.
“حادثة مؤلمة اهتز لها وجدان أهالي الناصرية وخصوصاً شريحة الرياضيين وهي وفاة مدرب نادي الناصرية للملاكمة الدولي “صلاح الخفاجي”، مدون على “فيسبوك”.
وعلى حسابه الخاص في منصة “يوتيوب” يظهر صلاح وسط عدد من تلاميذه، يحثهم على الامتناع عن الظهور عبر خاصة البث المباشر، والتباهي بالملاكمة، وإدعاء البطولات، والتلفظ بألفاظ سيئة، كما حثهم على المحتوى الأخلاقي والإيجابي، وأن المكان الوحيد للمواجهة هو الحلبة لا البث المباشر.
وهذا هو حال أغلب مقاطعه المصورة المنشورة.
“أعلم الملاكمة الحقيقية، لا أعلم عراك الشوارع، أعلم المتدرب عندي على الأخلاق والالتزام والنظام والتفوق بالدراسة، واللاعب غير الخلوق لا أضمه حتى لو كان بطل العالم.. هذا هو اختلافي عن غيري”، يقول المدرب في إحدى منشوراته.
أسباب محتملة
وحول دوافع الإقدام على الانتحار، أبلغ مصدر مقرب من المدرب منصة “ايشان” قائلا: إن “صلاح كان بطلا في الملاكمة في تسعينات القرن الماضي، وأقعدته رصاصة عن هذه الرياضة، وفي الأيام الأخيرة كان يرعى أمه المسنة وحيدا في منزله بعد زواج أخواته، وقد ضاقت به السبل لأنه نفسه يحتاج إلى رعاية”، مضيفا أنه “أطلق النار على نفسه بمسدسه الشخصي خارج البيت بعيدا عن أنظار والدته”.
فيما تحدثت مصادر أخرى عن تأزم وضعه المادي، وانه صار مثقلا بالديون.
