على مدى أيام معدودة كل عام، تتحول الطرق المؤدية إلى كربلاء إلى أنهار بشرية لا تنقطع، إذ يتوجه ملايين الزائرين سيرًا على الأقدام لإحياء ذكرى الأربعين، التي توافق مرور أربعين يومًا على استشهاد الإمام الحسين بن علي (ع) في معركة كربلاء. وتقدَّر أعداد المشاركين في بعض الأعوام بما يقارب 20 مليون شخص، ما يجعلها من أكبر التجمعات البشرية في العالم.
في عام 2017، كان من بين المشاركين شخصية مثيرة للجدل على الساحة الفكرية والسياسية العالمية: الفيلسوف وعالم الاجتماع الروسي ألكسندر دوغين، ووصف تجربته حينها بأنها “حدث فارق” ليس فقط في الوعي الديني، بل في مسار التاريخ البشري.
يقول دوغين، متفقًا مع زوار آخرين، بينهم المخرجة الوثائقية البريطانية إميلي غارثوايت، إن أجواء الأربعين تقدم نموذجًا جديدًا للحياة، يتناقض جذريًا مع النموذج الغربي السائد، الذي روّج لقرون لفكرة أن الهدف الأسمى للبشر هو السعي وراء المتعة والمكاسب الشخصية، بينما يتحدّى النموذج الإسلامي الخالص هذا التصور، إذ يسمو الناس فيه فوق احتياجاتهم المادية ويضحون براحتهم الجسدية من أجل غاية أسمى.
وفي مقابلة مع التلفزيون الإيراني عام 2017، خلال مشاركته الأولى، قال دوغين: “باعتقادي إننا نشهد تشكيل الاستعدادات لظهور مخلص الشيعة حسب أحداث العالم”.
وأضاف: “إن مسيرة الأربعين ستحدد مصيرًا جديدًا للشرق الأوسط والعالم بأسره، وفي الأربعين رأيت قفزة زمنية، أي أن نهاية الزمان لا تقترب فقط، بل تقفز نحونا، فنحن نشهد وجود 20 مليون شيعي يتجهون نحو جذورهم”.
واعتبر أيضًا أن “هذه الزيارة تكشف عن تشكيل أمة جديدة سوف تشكل المستقبل… أعتقد أننا بدأنا المرحلة الأخيرة من تاريخ البشرية”.
ويُعد ألكسندر دوغين أحد أبرز المفكرين الروس المعاصرين وأكثرهم إثارة للجدل، إذ عُرف بتأثيره على توجهات السياسة الخارجية الروسية، خاصة عبر نظريته “الأوراسية” التي تدعو إلى تحالف جيوسياسي بين روسيا ودول آسيا لمواجهة النفوذ الغربي. ويصفه بعض المراقبين بأنه “العقل المفكر” خلف بعض سياسات الكرملين، رغم نفيه وجود دور رسمي له في صنع القرار.
إلى جانب أعماله الفلسفية والسياسية، عرف دوغين بمواقفه الحادة تجاه الغرب، ودعوته إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب. وقد تصدّر اسمه عناوين الأخبار العالمية في أغسطس/آب 2022، حين قُتلت ابنته داريا دوغينا في انفجار سيارة قرب موسكو، في حادثة وُصفت بأنها محاولة اغتيال كان هو المستهدف فيها. وأثار الحادث حينها ردود فعل واسعة، نظرًا لرمزية دوغين ودوره الفكري في المشهد السياسي الروسي والدولي.