تبدو الظروف مواتية لرئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للسير نحو أخطر عملية عسكرية سينفذها الجيش الإسرائيلي منذ بدء الحرب على غزة والمتمثلة باجتياح عسكري لمدينة رفح جنوبي قطاع غزة.
وبتحليل المشهد الحالي في حرب غزة والذي يتمحور حول إعلان نتنياهو بأن لا عودة عن قرار اجتياح مدينة رفح، ثمة مؤشرات على جدية القرار الإسرائيلي؛ إذ تؤكد الظروف والتحضيرات المسبقة قرب تنفيذ الاجتياح، رغم التحذيرات الإقليمية والدولية.
والعمليات العسكرية الهجومية بشكل عام تسبقها خطوات تحضيرية لتهيئة الظروف والأسباب لتنفيذها منها، الغطاء والدعم السياسي، وإعلان الأهداف النهائية سياسيا وعسكريا، والتخطيط العملياتي، وتخصيص وحشد القوات والقدرات، وتهيئة وعزل منطقة العمليات.
غطاء ودعم أمريكي
رغم أن نتنياهو أعلن رفضه الرضوخ لكل الدعوات والضغوط التي تحاول ثنيه عن تنفيذ اجتياح رفح، إلا أن الخطوات الأمريكية تحديدا على أرض الواقع وفرت له غطاء سياسيا دوليا ودعما لوجستيا للسير بمخطط التنفيذ.
وعلى النقيض من التصريحات الأمريكية المعلنة حول العملية، إلا أن الإعلان الأمريكي عن إقامة ميناء عائم على شواطئ غزة بحجة تسهيل إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع يدلل على أنها خطوة توافقية إسرائيلية أمريكية لتهيئة منفذ بديل للمعابر الواقعة في مدينة رفح على الحدود المصرية كمعبر رفح.
وهذا الأمر من شأنه أنه يخفف الضغوط الدولية عن إسرائيل حول دخول المساعدات في حال بدأ الاجتياح.
وتحدثت وسائل إعلام أمريكية عن توافق إسرائيلي أمريكي حول تنفيذ عملية اجتياح رفح مع وضع شروط أمريكية (غير قابلة للتطبيق) بأن تكون عملية محدودة ولها أهداف محددة تتضمن قيادات ومقاتلي حماس، مع مراعاة عدم استهداف المدنيين.
وبالتالي ستستند إسرائيل إلى هذه المعطيات والموافقة الأمريكية لتنفيذ مخططها في رفح.
الأهداف النهائية
تتركز الدعاية الإسرائيلية منذ إعلان نتنياهو عن مخطط اجتياح رفح على أن الأهداف النهائية للعملية هي استهداف أربع كتائب لحماس داخل مدينة رفح ولتكون محطة لإعلان النصر في الحرب.
وتقول إسرائيل إنها دمرت 70% من قدرات حماس، ولم يتبق سوى هذه الكتائب في رفح، في محاولة لتضليل الرأي العام الإسرائيلي والعالمي بأن حماس تنظيم عسكري يتشكل من ألوية وكتائب بالمعنى العسكري للجيوش النظامية.
وحقيقة الأمر أن حماس تتشكل من مجموعات قتالية صغيرة بقدرات عسكرية محدودة فهي لا تمتلك قوة جوية أو مدفعية أو دروعا ودبابات، ولا حتى تنظيما هيكليا مشابها للجيوش النظامية.
وعسكريا تتشكل الكتيبة من عدد من السرايا القتالية والإدارية وسرايا إسناد لا تقل في مجملها عن 4 إلى 6 سرايا تتراوح أعدادها بين 400 إلى 800 ضابط وفرد، إضافة إلى قدرات تسليح وآليات وقدرات استطلاع وهندسة.
عزل وتهيئة مسرح (منطقة) العمليات
مدينة رفح تقع في أقصى جنوب قطاع غزة على الحدود المصرية بمساحة صغيرة لا تتجاوز 60 كيلو مترا مربعا، تحدها مدينة خان يونس من الشمال على بعد حوالي 10 كيلومترات، ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط ومن الشرق الخط الأخضر الذي يفصل إسرائيل عن حدود المناطق المحتلة عام 1967 ومن الجنوب الحدود المصرية.
وتمثل رفح بقعة جغرافية صغيرة جدا ومكتظة سكانيا يتواجد فيها حاليا حوالي مليون ونصف المليون فلسطيني معظمهم من النازحين جراء الحرب من مختلف مدن القطاع.
كما أنها منطقة مغلقة بالكامل من الجهات الأربع، بعد فصل شمال غزة عن وسطها وجنوبها وفصل خان يونس عن مدينة رفح والسيطرة على الطرق الرئيسة التي تربط شمال القطاع بجنوبه وباقي مدن غزة.
وبدأت إسرائيل خلال الأسبوعين الماضيين بشن هجمات جوية داخل رفح بهدف تهيئة مسرح العمليات وكثفت عمليات الاستطلاع الجوي إضافة لتنشيط العمل الاستخباري داخل المدينة.
وتشير كل المعطيات وخصوصا العسكرية إلى أن الجيش الإسرائيلي يحضر لدخول بري محدود في بدايته، ثم يتوسع، في تكرار لأسلوب عملياته شمالي غزة وفي خان يونس.
وبسبب مساحة المدينة الصغيرة والاكتظاظ السكاني الكبير فإن كارثة محتملة ستحدث في أعداد القتلى من المدنيين، وكل هذا لدفع الفلسطينيين إلى التحرك صوب الحدود المصرية، بهدف تنفيذ مخطط التهجير.