مذ أن تحرر العراقيون من نظام البعث المجرم، حتى عادوا لحريتهم، بإحياء “ليلة الطبگ” الخاصة بالعاشر من شهر المحرم الحرام، كما يحبون ويفضّلون.
قدور ورايات ومواكب لطم وزنجيل على امتداد البصر، وقاماتٌ ترتفعُ، حتى يأتي فجرٌ فيه صوت مزلزل، ينعى أبو الأكبر، إنه صوت الطف الأثير الشيخ عبد الزهرة الكعبي.
يقول الشاعر الراحل، مروان عادل واصفاً إحياء ليلة العاشر في عهد النظام البائد:
للدارخين مع الذكر مخاوفهم
وهم يدوسون ما خافوا بما انتعلوا
إذ حاول الخوف إلا يطبخوا وضعوا
جدر الحسين على الطابوق واتكلوا
ناداهم الجدر في عاشور هل حطبٌ؟
فادافعوا تحت جدر الشوق واشتعلوا.
وفي كل عام يحيي ملايين المسلمين في العالم، والعراق على وجه الخصوص ذكرى استشهاد سبط رسول الله، الإمام الحسين وأهل بيته في معركة الطف بكربلاء سنة 680م.
تبدأ طقوس الحزن على الواقعة الأليمة، في الأول من محرم لتبلغ ذروتها في العاشر منه، حيث يبقى العراقيون حتى الصباح في مجالس اللطم ومواكب التطبير، والطبخ، وتنتهي صباحاً حين يذاع المقتل، بصوت الشيخ عبد الزهرة الكعبي.
وتعد تلك المجالس والمواكب، التي يرافقها تقديم الطعام لمن يحتاجه، من أهم الطقوس لدى الشيعة الذين يؤمنون بأن لمقتل الحسين دوراً في ترسيخ الدين وديمومة المعتقد، لما يملكه من شاهد على الثبات على المبدأ والمطالبة بالحق.
وفي بعض المناطق يتضمن إحياء الذكرى مسرحة الحدث، إذ تقدم عروضاً في الهواء الطلق تسمى “التشابيه” تروى خلالها أحداث واقعة كربلاء وتجسد شخوصها الرئيسية، بحضور أعداد غفيرة من الجمهور.
كانت السلطات العراقية إبان حكم صدام حسين قد اتخذت إجراءات للحد من ممارسة طقوس الشيعة الذين يشكلون الأكثرية السكانية في البلاد. لكن إجراءات التضييق تلك لم تكن الأولى من نوعها في التاريخ، فقد تعرضت الطقوس الشيعية إلى مواقف مشابهة في فترات تاريخية سابقة.
ويشير المؤرخون إلى أن شعائر عاشوراء منعت في بعض الحواضر إبان حكم المماليك الذين حكموا العراق بين منتصف القرن الثامن عشر إلى الربع الأول من القرن التاسع عشر. لكنها استؤنفت في ما بعد خلال الحكم العثماني عندما وقعت الاستانة وثيقة سلام مع الإيرانيين إثر انتهاء حكم المماليك.