في ذكرى محاولة اغتيال عدي صدام حسين، تعود واحدة من أخطر الحوادث الأمنية التي ضربت قلب بغداد في التسعينيات، حين أُطلقت النيران على موكب نجل الرئيس السابق في حي المنصور مساء 12 كانون الأول/ديسمبر 1996، في حادثة لم تكن مجرد “استهداف شخصي”، بل زلزالًا سياسيًا وأمنيًا كشَف هشاشة منظومة الحماية داخل النظام نفسه.
المنصور، الذي كان يُعد واجهة بغداد “المرفهة”، تحوّل في تلك الليلة إلى مسرح إطلاق نار قرب مؤسسات أمنية حساسة، بحسب ما نقلته تقارير وصفت كيف تمكّن المنفذون من الوصول إلى هدف محاط بتدابير مشددة، رغم “قوافل تمويه” و”مواكب بديلة” و”مضاعفة إجراءات الحماية”، ما جعل محاولة الاغتيال تبدو، في نظر مراقبين، أكبر من عملية عابرة وأقرب إلى اختبار قاسٍ لقدرة الدولة الأمنية على حماية أهم رموزها.
وفق روايات تداولتها أوساط معارضة ومصادر إقليمية وقتها، ظهر مسلحون بملابس رياضية وخوذ واقية قرب سيارة عدي في لحظة وُصفت بأنها “ضعف تكتيكي”، وأُطلقت نيران كثيفة من سلاح آلي باتجاه السيارة من مسافة قريبة. هذا المشهد ورد بتفاصيل متعددة ومتضاربة، حتى داخل المصدر الواحد، بشأن نوع السيارة، ومن كان برفقة عدي، وعدد الرصاصات وإصاباته الدقيقة، ما يعكس طبيعة المرحلة التي كانت فيها المعلومات تُدار أمنياً ودعائياً بقدر ما تُسرب.
رغم تضارب الأرقام، تتقاطع شهادات منشورة لاحقًا مع ما قاله قائد المجموعة المنفذة في مقابلة صحفية نقلتها ABC، إذ تحدث عن “خطة طويلة” شارك فيها أربعة أشخاص، وأن عنصرين هما من نفذا الرمي المباشر، وأنهم أطلقوا “نحو 50 طلقة” على السيارة واعتقدوا أنهم قتلوه، قبل أن يكتشفوا لاحقًا أنه نجا رغم إصابته إصابات خطيرة.
النتيجة الطبية الأكثر ثباتًا في السرديات المتعددة هي أن عدي خرج من الحادثة حيًّا لكنه مصاب بإعاقة مؤثرة. واشنطن بوست وصفت حالته آنذاك بأنها “إصابات في العمود الفقري” أدت إلى شلل جزئي، مع إصابات جسيمة أخرى وردت في تقارير عن جروح بالبطن والمثانة واحتمالات طبية خطرة في ذلك الوقت.
موقع ABC نقل أن هناك “اعتقادًا” بأن عدي أصبح عاجزًا جنسيًا بعد الإصابة، وقدّم قائد العملية ذلك بوصفه “تصورًا متداولًا” داخل بيئة خصوم عدي بسبب سمعته في “العربدة العنيفة” وفق تعبير المصدر نفسه.
ما جعل محاولة الاغتيال تُستعاد حتى اليوم ليس عنصر الجرأة وحده، بل سؤال الدافع. ففي وقت كانت فيه البلاد تحت حصار خانق، كان عدي يمثل، في نظر خصومه وحتى بعض الدوائر القريبة من الحكم، نموذج “النفوذ المنفلت”.
واشنطن بوست تحدثت عن حياة ليلية “وحشية” في المنصور ارتبطت بتقارير عن “اغتصابات وإطلاق نار” ضمن ما كان يُقال عن سلوكياته.
مصادر أخرى لاحقة دعمت صورة “السجل الأسود” لعدي من زوايا مختلفة. الموسوعة البريطانية وصفته بأنه شخصية نافذة عُرفت بالبذخ وبتكوين ثروة عبر شبكات تهريب وابتزاز، وكيف كان يغتصب النساء ويختطف الأخريات من أزواجهن.
كما أن تقرير وزارة الخارجية الأميركية لملف حقوق الإنسان أشار إلى وقائع منسوبة إليه تتعلق باستخدام النفوذ ضد مؤسسات طلابية واحتجاز أفراد بسبب عدم تنفيذ أوامره، في سياق توصيف أوسع لطبيعة القمع في تلك المرحلة.
بعد محاولة الاغتيال، لم يكن رد الفعل داخل النظام أقل صدمة من الهجوم نفسه. واشنطن بوست وثّقت أن الحادثة فجرت “موجات انتقام وريبة” داخل الدائرة الضيقة، وطرحت احتمال “الاختراق من الداخل” لأن المنفذين وصلوا إلى هدف محاط بالتمويه والحراسة.
وذهبت الروايات إلى حد الحديث عن إجراءات قاسية شملت اعتقالات وإعدامات واسعة بحثًا عن الخلية أو من يقف خلفها، مع بقاء المنفذين “غير معروفين” في تلك الفترة وفق التقرير نفسه، وهو ما زاد من رعب السلطة من وجود تهديد داخلي غير مرئي.
الرواية الأكثر تفصيلًا عن المنفذين جاءت بعد سنوات، حين تحدث شخص عُرّف باسم “شريف” لوسائل إعلام عن كونه قاد خلية مرتبطة بحركة مقاومة شيعية مسلحة، وأنها تشكلت من أربعة أفراد من جنوب العراق، وأن التخطيط استغرق أشهرًا، وأنهم اعتبروا العملية رسالة بأن “المقاومة يمكن أن تصل لأي هدف”.
الصدمة امتدت إلى المجال الطبي أيضًا. تقارير صحفية من أواخر 1996 أشارت إلى أن السلطات العراقية درست نقل عدي للعلاج في سويسرا بعد أيام من إصابته، وهو أمر كان لافتًا في بلد محاصر ومغلق على العالم في تلك الفترة. وتقاطعت هذه الأحاديث مع أخبار لاحقة عن تحسن حالته، بما يؤكد أن ملف علاجه تحوّل إلى “حدث دولة”، لا مجرد متابعة صحية.
ويتفق العراقيون على أن محاولة اغتيال عدي صدام حسين ليست مجرد واقعة إطلاق نار انتهت بنجاة الهدف، بل لحظة كشفت تراكُم العداء الذي صنعته شخصية عدي داخل المجتمع، وكشفت كذلك هشاشة “الحصانة المطلقة” عندما تتقاطع النقمة مع التنظيم والسلاح.
وبينما بقيت تفاصيل كثيرة متنازعًا عليها، فإن خطوطًا أساسية ظلت راسخة في معظم السرديات: استهداف في المنصور في 12 كانون الأول 1996، إطلاق نار كثيف، إصابة عميقة تركت إعاقة طويلة الأمد، ثم حملة أمنية قاسية، وأخيرًا تحوّل الحادثة إلى عقدة داخلية غذّت الشكوك داخل بيت الحكم ذاته.
