لم يكن العراق بعيداً ولو للحظة، عن الصراع الذي تشهده المنطقة، لا سيما مع دخول حزب الله اللبناني وحركة أنصار الله اليمنية لإسناد قطاع غزة، والمقاومة الفلسطينية، بعد عملية طوفان الأقصى التي أقضت مضاجع الكيان الصهيوني وشتت جمعه في معركة قد تكون الأولى من نوعها منذ عقود.
العراق وعبر القرارات الرسمية، حاول وبشتى الطرق أن ينأى بنفسه، عن ساحة الصراع، فضلاً عن مساعيه لاعتماد الدبلوماسية في إنهاء مآسي قطاع غزة، قبل أن تتحول آلة القتل الإسرائيلية نحو لبنان، إلا أنه لم يتمكن من إخماد تلك الحرب التي بدأت تتوسع شيئاً فشيئاً.
وبعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، واستشهاد سيد الجنوب حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، لم تكن إيران متفرجة على المشهد، فقد ردت بأكثر من مئتي صاروخ وجهتها نحو الكيان الصهيوني، الأسبوع الماضي، ما دفع حكومة نتنياهو المتطرفة تفكر بالهجوم على المنشآت الحيوية في إيران.
وفي سياق ما تقدم، فإن المقاومة الإسلامية في العراق، التشكيل الذي ظهر اسمه بعد عملية طوفان الأقصى، وانضوت تحت لوائه العديد من الفصائل، فقد وجهت عدداً كبيراً من الصواريخ والطائرات المسيرة نحو الكيان الصهيوني.
وبدأت المقاومة الإسلامية في العراق بشن هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ ضد قواعد عسكرية تضم قوات أمريكية في العراق وسوريا٬ مثل استهداف “قاعدة البرج 22” في 28 يناير 2024 مما أدى لمقتل ثلاثة جنود أمريكيين وإصابة 34 آخرين.
ومن ثم توسعت تلك الهجمات لتشمل أهدافاً إسرائيلية معظمها قواعد عسكرية في إيلات أو الأغوار أو شمال فلسطين المحتلة٬ كان آخرها هجوم مسيرة انتحارية على قاعدة عسكرية إسرائيلية في الجولان٬ ما أسفر عن مقتل جنديين إسرائيليين من كتيبة غولاني وإصابة 25 آخرين.
وأصبح استخدام الطائرات المسيرة الهجومية أداة فعالة في العمليات العسكرية والهجومية التي تنفذها الفصائل العراقية٬ رغم أن جبهة العراق كانت الأقل انخراطاً في المعركة بين مكونات محور المقاومة٬ مقارنة مع حزب الله أو “أنصار الله” الحوثيين في اليمن٬ أو حتى الحرس الثوري الإيراني الذي وجه ضربات صاروخية باليستية غير مسبوقة للاحتلال في منتصف نيسان الماضي ومطلع تشرين الأول 2024.
ترسانة الطائرات المسيرة التي تستخدمها المقاومة الإسلامية في العراق، تتكون من نماذج متنوعة بعضها مصنوع محلياً، فيما يستورد معظمها من إيران.
ويعتمد تطوير هذه الطائرات على الدعم اللوجستي والعسكري الإيراني بشكل كبير، حيث تشتهر إيران بتطوير طائرات مسيرة متقدمة ذات قدرات هجومية واستطلاعية مختلفة٬ يمتلك حزب الله وأنصار الله العديد من نماذجها المختلفة.
وتُستخدم هذه الطائرات المسيرة في جمع المعلومات الاستخباراتية، المراقبة، والهجمات المباشرة الانقضاضية على الأهداف العسكرية.
ووفقاً لتقارير استخباراتية أمريكية متعددة، تمكنت هذه الفصائل من تكييف التكنولوجيا لتلبية احتياجاتها القتالية، وذلك بمساعدة إيرانية كبيرة قادها “فيلق القدس” مما ساهم في تحسين كفاءتها.
جردة بالطائرات المسيرة التي تستخدمها فصائل المقاومة العراقية
مسيرة شاهد 129، إيرانية الصنع
صنعها الحرس الثوري الإيراني٬ وكشف عنها النقاب عام 2012 يمكنها تنفیذ مهامّها على مسافة 1700 إلى 2000 کیلومتر من القاعدة التي تنطلق منها وقادرة علی حمل الصواريخ الذکية والتحليق لمدة 24 ساعة متواصلة، حيث هاجمت بها الفصائل العراقية، مواقع عسكرية أمريكية وإسرائيلية.
مسيرة مهاجر-6 (Mohajer-6)، إيرانية الصنع
وتمتلك القدرة على القيام بمهام الاستطلاع والهجوم، يمكن تجهيزها لاستهداف الأهداف الثابتة والمتحركة، ويمكنها الطيران نحو 2000 كيلومتر، وهي قادرة على حمل 40 كيلوغراماً من القنابل الذكية، وتبلغ سرعتها نحو 200 كيلومتر في الساعة، ويمكنها التحليق 12 ساعة متواصلة على ارتفاع 18 ألف قدم.
مسيرة أبابيل-3 (3 Ababil)، إيرانية الصنع
ويمكن استخدام هذه الطائرة للقيام بمهام انتحارية أو هجومية مباشرة٬ – لديها القدرة على حمل متفجرات عالية القوة واستخدامها في هجمات دقيقة، ويمكنها التحليق حتى ارتفاع 15 ألف قدم، ولمسافة 250 كيلومتر، وبوسعها إرسال الصور الملتقطة إلى محطات التحكم الأرضية أو أي نوع نظام استقبال آخر، وتعمل بمحرك بوقود البنزين قادر على العمل 8 ساعات متواصلة.
مهاجر 4-B أو “بهباد صادق” 1، إيرانية الصنع
القدرات: تُستخدم لأغراض الاستطلاع والمراقبة الجوية. قادرة على البقاء في الجو لفترات طويلة، مما يجعلها مفيدة في جمع المعلومات الاستخباراتية.
تستخدمها الفصائل لجمع معلومات عن تحركات القوات الأمريكية والتحالف في العراق.
وبينما تمتلك بعض الفصائل القدرة على إنتاج نماذج بدائية من الطائرات المسيرة محليًا، فإن أغلب الطائرات المتقدمة التي تستخدمها هذه الفصائل تأتي من إيران.
وتقوم الفصائل في العراق بتجميع بعض الطائرات أو إجراء تعديلات على النماذج الإيرانية لتلائم احتياجاتها المحلية.
وتشير تقارير إلى أن الفصائل قد تكون قادرة على إنتاج نماذج طائرات مسيرة صغيرة للاستطلاع والهجمات المحدودة، إلا أن النماذج الكبيرة والمتقدمة ما تزال تأتي بشكل أساسي من إيران.
وشهدت الفترة بين أكتوبر 2023 وأكتوبر 2024 عدداً من العمليات التي أطلقت فيها الفصائل طائرات مسيرة لاستهداف قواعد ومصالح أمريكية وإسرائيلية في المنطقة٬ أبرزها في قاعدة “عين الأسد”٬ وكذلك قواعد عسكرية أمريكية في قاعدة “التنف” بسوريا٬ وكذلك قاعدة عسكرية أمريكية شمال شرق الأردن على الحدود مع سوريا.
وبعد نجاح هجوم “الجولان” مؤخراً وقبله هجوم “قاعدة البرج 22″٬ تشكل الطائرات المسيرة التي تستخدمها الفصائل العراقية تهديدًا متزايدًا على المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة٬ ويتوقع أن تصبح هذه التكنولوجيا جزءًا أساسيًا من استراتيجيات الفصائل٬ حيث قد تتضاعف هجماتها خلال الفترة القادمة خصيصاً إذا اندلعت حرب أوسع بين الكيان الغاصب وإيران.
ويأتي فشل الأنظمة الدفاعية الذي تكرر في معركة طوفان الأقصى في اعتراض الطائرات المسيرة العراقية أو الإيرانية أو اليمنية أو تلك التي يطلقها حزب الله من جنوب لبنان٬ يعود إلى عدة عوامل تقنية وتكتيكية تتعلق بخصائص هذه الطائرات٬ أبرزها:
1- حجم الطائرات المسيرة الصغير قد يقلل من المقطع العرضي الراداري، مما يصعب على الرادارات التقليدية التمييز بينها وبين الأجسام غير الهامة كالأطيار أو الشظايا.
2- الارتفاعات المنخفضة التي تسير بها هذه الطائرات٬ وحتى السرعة المنخفضة التي تنطلق بها -مقارنة مع الصواريخ- يجعلها أقل عرضة لاكتشاف الأنظمة الدفاعية، بعض الرادارات مصممة لرصد الطائرات والصواريخ الأسرع والأكبر على ارتفاعات أعلى، وبالتالي يمكن للطائرات المسيرة الصغيرة أن تتجنب الكشف.
3- الطائرات المسيرة الرخيصة والمبنية باستخدام مواد بسيطة غالباً ما تكون مصنوعة من مواد غير معدنية أو خفيفة الوزن مثل البلاستيك وغيره٬ مما يقلل من قدرة الأنظمة الرادارية التقليدية على اكتشافها.
4- الهجمات المتعددة والمشتركة (هجمات الموجة) سبب آخر في فشل اعتراض الطائرات المسيرة٬ حيث يمكن استخدام عدد كبير من الطائرات المسيرة في هجوم واحد٬ وتعقد أسراب الطائرات المسيرة من مهمة الأنظمة الدفاعية التي قد تفرط في اعتراضها أو تكون غير قادرة على التعامل مع هذا العدد من الأهداف بشكل فعال.
5- تمتلك بعض طرازات الطائرات المسيرة٬ قدرة على المرونة والمناورة العالية، حيث يمكنها تغيير مسارها بسرعة كبيرة أو التحرك في اتجاهات غير متوقعة، مما يصعب عملية الاستهداف بواسطة الأنظمة الدفاعية التي تعتمد على مسارات طيران ثابتة لأهدافها. كما أن بعض الطائرات المسيرة يمكن التحكم بها عن بعد أو برمجتها مسبقاً لتنفيذ مهام محددة بدون الحاجة لتوجيه مستمر، ما يجعلها أكثر صعوبة في الاستهداف بمجرد إطلاقها.