“المستقبل هو للمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي وسوف يُهزم الاستكبار الإسرائيلي، إنها فقط مسألة وقت”.. بتلك الكلمات التي كان يرددها دائماً، تمثل عزّم السيد عباس الموسوي، الذي أصبح في مايو/أيار عام 1991 الأمين العام لحزب الله الذي كان قد أصبح بدوره القوة السياسية الأقوى في لبنان والتي تمتلك قدرات عسكرية كبيرة.
كان الموسوي واحداً من قيادات الشيعة الذين برزوا منذ سبعينيات القرن الماضي، وكان ايضاً قد خضع لدورات تدريب على حرب وقتال الشوارع في معسكرات القوة 17 التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية (فتح) قبل أن يُصبح مؤمناً ورعاً ويُكرّس سنوات من عمره في دراسة الفكر الشيعي، بداية في لبنان ومن بعدها في مدارس النجف الأشرف في العراق التي كان يديرها مساعدون للإمام الخميني وفقاً لمنظوره الديني.
وكان ذهنه الحاد وذاكرته الممتازة وولائه للخميني، جعلوا منه بسرعة قائداً دينياً معروفاً جيداً في كل من العراق ولبنان، وهذا ما قاده ليكون واحداً من النواة الصلبة للذين أسّسوا حزب الله في لبنان.
وكان الموسوي وفقاً للمعلومات الاستخبارية عنه من ضمن الذين شاركوا في صناعة القرار عند القيادي عماد مغنية بإطلاق حملة العمليات الانتحارية ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (بدءاً من العام 1982)، فهو كان يؤمن بأن أحد الأهداف الرئيسية لحزب الله، وليس الهدف الرئيسي الوحيد، يجب أن يكون طرد الجيش الإسرائيلي (من الأراضي التي يحتلها في لبنان) عبر الحرب.
من هو عباس الموسوي؟
ولاحقا حل عباس الموسوي مكانه بعد خلافات بين تيار الشيخ صبحي الطفيلي الذي كان قد انتخب لمنصب أول أمين عام لحزب الله بعد مأسسته في العام 1989، وسرعان ما خسر موقعه بعد انتهاء مدته كأمين عام في مايو 1991، حيث كان يعتبر (الطفيلي) متشدداً وتيار عباس الموسوي وحسن نصرالله الذي كان يعتبر في حينها معتدلاً، وانتُخب الموسوي في عام 1991 خلفاً للشيخ الطفيلي، وعُرف بتسويته مع “حركة أمل” لمعالجة خلافات الماضي، وركز على “العمل المقاوِم” ضد إسرائيل التي اغتالته في عام 1992 بعد مشاركته في إحياء الذكرى السنوية لاغتيال الشيخ راغب حرب بقصف جوي استهدف سيارته، وقضى مع عائلته في جنوب لبنان.
والموسوي المولود في عام 1952، درس العلوم الإسلامية في النجف في العراق. وافتتح الموسوي منذ وصوله إلى الأمانة العامة للحزب، مرحلة جديدة من مسيرة “حزب الله” هي إنشاء المؤسسات الخدمية إلى جانب مواصلة القتال ضد إسرائيل.
وكان نصر الله قد سافر إلى النجف لدراسة الفقه. وهناك التقى بعباس الموسوي.
وكان الموسوي المتحدر من قرية النبي شيت البقاعية الصغيرة أكبر سناً من نصرالله بثمانية سنوات وكان يعتبره “والداً ومربياً وصديقاً”، بحسب دراسات.
وكان لاغتيال الموسوي أثر بارز على طبيعة المواجهات بين إسرائيل وحزب الله، وحينها اتخذ الحزب لأول مرة القرار بقصف المناطق السكانية شمال إسرائيل بصواريخ الكاتيوشا”، بعدما كانت عملياته تقتصر في السابق على الأراضي اللبنانية حصراً.
عمليات الأرجنتين
في حديث للصحف الإسرائيلية، كشف الجنرال الإسرائيليّ في الاحتياط أوري ساغي، الرئيس السابِق لشعبة الاستخبارات العسكريّة (أمان) في جيش الاحتلال، والذي أشرف شخصيًا على عملية اغتيال الشيخ عبّاس موسوي، الأمين كشف النقاب عن تفاصيل مثيرة.
ويتابع قائلا إنّ أجهزة المخابرات الإسرائيليّة على مختلف مشاربها لم تتوقّع ردًا عنيفًا ومؤلمًا وقاسيًا من حزب الله على اغتيال أمينه العّام، ولكنّ العمليتيْن اللتيْن تمّ تنفيذهما في الأرجنتين في عامي 1992 و1994، أصابتا القادة الأمنيين والسياسيين في كيان الاحتلال بالصدمة، إذْ إنّ عدد القتلى والجرحى في العمليتيْن، واللتيْن أشرف عليهما، بحسب الجنرال ساغي، وبشكلٍ شخصيٍّ القيادي عماد مغنيّة، كان كبيرًا للغاية، وهو الأمر الذي لم يأخذه قادة الكيان في حساباتهم عندما صادقوا على تنفيذ اغتيال الشيخ موسوي، على حدّ قوله. وأضاف أن حزب الله أمطر الجليل بصواريخ الكاتيوشا.
آخر الأمناء
اجتمع مجلس شورى حزب الله في اليوم التالي لاغتيال الموسوي، وانتخب بالإجماع حسن نصرالله البالغ من العمر 32 عاماً، أميناً عاماً لحزب الله وقد استمر في منصبه 32 عاماً حتى اغتياله في غارة إسرائيلية، الجمعة.
يعد نصر الله ثالث الأمناء العامين للحزب، وأطولهم مكوثاً في الموقع. انتُخب في عام 1992 أميناً عاماً خلفاً للموسوي، وأشرف على تحول الحزب إلى قوة عسكرية ذات نفوذ إقليمي، وصار أحد أبرز الشخصيات العربية منذ أجيال، وذلك بدعم من إيران.