محيي الدين الشريف أحد رموز المقاومة الفلسطينية، ولد عام 1966، وهو المهندس رقم “2” في كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، عدّه الاحتلال الإسرائيلي تلميذا موفقا لمعلمه المهندس يحيى عياش، رفض التنسيق الأمني والمخابراتي بين السلطة الفلسطينية والاحتلال.
المولد والنشأة
ولد محيي الدين ربحي سعيد الشريف في بلدة بيت حنينا شمال مدينة القدس المحتلة يوم 5 يناير/كانون الثاني 1966، تجرع وهو صبي مرارة التهجير وجرائم العصابات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين من تقتيل ومذابح وملاحقات.
الدراسة والتكوين
درس المرحلة الأساسية في مدارس بيت حنينا والمرحلة الثانوية بمدرسة دار الأيتام في البلدة القديمة بالقدس، وعرف بين أقرانه بشغفه بالدراسة والتحصيل ودماثة الخلق، وبعدما حصل على الثانوية العامة بتفوق التحق بقسم الهندسة الإلكترونية في كلية العلوم والتكنولوجيا بجامعة القدس في أبو ديس، حيث نال درجة البكالوريوس.
وبالموازاة مع دراسته كان محيي الدين يقبل على حلقات العلم في رحاب المسجد الأقصى ويتنقل بينها، ويشارك في الاعتكافات والأنشطة الدعوية التي تقام هناك.
المسار النضالي
خلال مرحلة الدراسة الجامعية انضم إلى جماعة “الإخوان المسلمين” وكان من أبرز من أسسوا نواة الكتلة الإسلامية في الجامعة، وفي هذه المرحلة التحق أيضا بحركة حماس.
اعتقله الاحتلال الإسرائيلي خلال الانتفاضة الأولى لمدة سنتين ونصف بسبب المشاركة في انتفاضة المساجد.
تعرّف داخل السجن على عدد من أعضاء المقاومة في الضفة الغربية، وكانوا السبب في التحاقه بكتائب القسام، وكُلف بعد خروجه بإيواء الأعضاء المطاردين من قبل الاحتلال ومساعدتهم، مما تسبب في اعتقاله سنة 1991 بتهمة إيواء المجاهدين من القسام.
بقي في السجون سنة ونصف السنة، وتعرّض خلال فترة اعتقاله لتعذيب شديد، وأحدثت تجربة الاعتقال تحولا كبيرا في حياته، إذ خرج من السجن أكثر إصرارا على المضي في طريق المقاومة والانخراط فيها بشكل كامل.
ولم يكد يمضي على مغادرته المعتقل أسبوع واحد حتى التحق بـ”مجموعات الاستشهاد” التي أسسها الشهيد المهندس يحيى عياش، والذي التقاه في النصف الأول من سنة 1995 في قطاع غزة، وتدرب على يده في صناعة المتفجرات، ثم عاد إلى الضفة الغربية للعمل مع محمد الضيف وعادل عوض الله.
وفي يوليو/تموز من السنة نفسها حاولت قوات الاحتلال اعتقاله لكنه نجا بأعجوبة من حصار محكم، فانتقمت منه بإيذاء عائلته وهدم بيتها، وبات على رأس قائمة المطلوبين والمطاردين.
بعد أن اغتالت قوات الاحتلال المهندس يحيى عياش يوم 5 يناير/كانون الثاني 1996 بات محيي الدين الشريف المهندس رقم “2” في كتائب القسام وقائدها في الضفة الغربية، وحال دون فرحة الاحتلال بما سماها “نهاية أسطورة الكتائب”.
سار محيي الدين على درب معلمه وأكمله، وأخذ على عاتقه الثأر له، إذ ظهرت خلية في كتائب القسام باسم” تلاميذ المهندس” بعد شهر واحد من تاريخ استشهاد عياش، ونظمت عمليات في فبراير/شباط ومارس/آذار 1996 أطاحت بشيمون بيريز في انتخابات مايو/أيار من السنة نفسها.
تعرض الشريف سنة 1996 لمحاولة اغتيال جديدة على يد وحدة مستعربين أطلقت النار على سيارة كان يستقلها، ولاحقه أفراد من أجهزة قيل إنها تابعة لأمن السلطة الفلسطينية لكنه نجا مرة أخرى.
وفي ظل تواصل عمليات كتائب القسام تكثفت المطاردة، ولا سيما أنه طوّر أسلوبا شديد التعقيد في المكونات الأصلية للعبوات الناسفة.
عمليات قادها محيي الدين الشريف
اعترف الاحتلال الإسرائيلي بأن سلسلة العمليات القسامية التي قادها محيي الدين الشريف أوقعت ما يزيد على 129 قتيلا وأكثر من ألف جريح ومصاب.
ومن أبرز تلك العمليات:
تفجير حافلة يوم 26 فبراير/شباط 1996 في القدس على خط رقم “18” المؤدي إلى مقر القيادة العامة لكل من الشاباك والشرطة الإسرائيلية أدى إلى مقتل وإصابة العشرات، واندرجت العملية في إطار عمليات “الثأر المقدس” ردا على اغتيال الاحتلال المهندس يحيى عياش.
تفجير حقيبة مفخخة في التاريخ نفسه وسط تجمع لجنود الاحتلال عند مفترق عسقلان أدى إلى سقوط 32 إسرائيليا بين قتيل وجريح.
تفجير عبوة ناسفة يوم 3 مارس/آذار 1996 في شارع يافا بالقدس قتل وأصيب فيها 290 إسرائيليا.
تفجير عبوات ناسفة في مقهى “أبروبوس” الكائن في شارع بن غوريون بتل أبيب يوم 21 مارس/آذار 1997 أدت إلى مقتل 3 إسرائيليين وإصابة نحو 46 آخرين.
عملية مزدوجة في “سوق محناه يهودا” يوم 30 يوليو/تموز 1997 عند مدخلي أكبر مجمع تجاري في الجزء الغربي المحتل من مدينة القدس أسفرت عن مقتل 17 إسرائيليا وإصابة أكثر من 160 آخرين.
وقد ذكرت عدد من التقارير الإعلامية الفلسطينية أن أجهزة أمنية تابعة للسلطة الفلسطينية شاركت في مطاردة محيي الدين الشريف واعتقلته عام 1998 وتعرّض لتعذيب شديد أدى إلى إصابة في ساقه تسببت في بترها.
الاغتيال
بقيت ظروف استشهاد محيي الدين الشريف غامضة، وقيل إنه استشهد في سجون الأجهزة الأمنية الفلسطينية يوم 29 مارس/آذار 1998، كما قيل إنه عثر عليه في التاريخ المذكور داخل سيارة متفجرة ومحترقة بعد انفجار في بلدية بيتونيا الصناعية بمدينة رام الله غير بعيد عن المقر الرئيسي لقائد جهاز الأمن الوقائي في الضفة الغربية حينها جبريل الرجوب.
واتهمت الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية بعد 4 أيام من ذلك الانفجار حركة حماس بالوقوف وراء الاغتيال وتدبيره، واعتقلت عددا من رفاقه الذين قدموا له المأوى بتهمة التورط في اغتياله، الأمر الذي عدته حماس محاولة لتشويه سمعة كتائب القسام وإخافة الفلسطينيين منها والزعم بوجود صراعات على القيادة داخلها.
لكن والد الشهيد سارع قبل الحركة إلى الرد على مزاعم السلطة ونفيها، قائلا إن “تاريخ حركة حماس نظيف لم تشُبْه الاغتيالات ولم يعرف عنها أنها اغتالت أفرادها أو غيرهم، ونحن لم نسمع بالاغتيالات إلا بعد مجيء السلطة الفلسطينية”، وهو ما ردت عليه السلطة بمنعه من الكلام.
من جانبها، فتحت حركة حماس تحقيقا قالت في نتائجه إن جهاز الأمن الوقائي عذب محيي الدين خلال اعتقاله، واستشهد تحت التعذيب، واتهمت الجهاز المذكور بفبركة عملية انفجار السيارة المفخخة بعد أن وضعت جثته داخلها على بعد مئات الأمتار من مقر الجهاز في مدينة رام الله يوم 29 مارس/آذار 1998.