في بلد يعيش على وقع الأزمات المتلاحقة، قد يتوقع المرء أن قصصًا مثل منح الجنسية لسوريين، أو مقاطع إعدام بثّها تنظيم داعش، أو فتح واحدة من أكبر المقابر الجماعية في البلاد، ستشغل الرأي العام وتشعل مواقع التواصل الاجتماعي. لكن المفارقة أن هذه الملفات بالكاد ظهرت في زوايا النقاش الافتراضي، ولم تلامس “التريند العراقي”.
الجنسية العراقية للسوريين!
اليوم كشف رئيس تحرير جريدة الصباح، أحمد عبد الحسين، عبر منشور على فيسبوك، عن منح الجنسية العراقية لعدد كبير من السوريين خارج الضوابط. وأشار إلى أن التحقيقات أحيلت إلى لجان عليا، وأن ضباطًا كبارًا باتوا تحت المساءلة، فيما أُبطلت قيود المتجنسين.
لن يكون كذلك لأنه مهم جداً وخطير جداً
وعلق قائلا: “لن يكون هذا الخبر “تريند”. لن يكون كذلك لأنه مهم جداً وخطير جداً. والتريند مخصص للتفاهة والتافهين”.
وأردف ساخرا: “جايينك ع كربلاء .. بالبطاقة الموحدة!”.
القضية، في أي سياق طبيعي، كانت كفيلة بإشعال الجدل حول الهوية الوطنية وأمن الدولة، لكن تفاعل الرأي العام كان باهتًا.
داعش يعود بدم بارد
قبل أيام، نشر تنظيم داعش مقطع فيديو يوثق قتل راعٍ من ناحية البعاج في نينوى، بعد شهرين من اختطافه. الضحية، سلمان فارس سبع، أُعدم بتهمة التعاون مع الأجهزة الأمنية. الفيديو الصادم بدا امتدادًا لزمن الرعب الذي ظنّ العراقيون أنهم تجاوزوه، لكنه مرّ على المنصات بلا أثر يوازي حجم الجريمة.
الخسفة.. شاهد على رعب التنظيم
وفي ملف أكثر إيلامًا، بدأت السلطات العراقية عملية فتح مقبرة “الخسفة” جنوب الموصل، حيث يُعتقد أن 20 ألف ضحية دفنوا هناك خلال سيطرة داعش بين 2014 و2017. مشهد استخراج الرفات، الذي وصفه محافظ نينوى بأنه “جريمة يندى لها الضمير”، لم يحظَ سوى بمتابعات محدودة، رغم أن الأمم المتحدة تصنّفه من بين أبشع المقابر الجماعية في العالم.
لماذا الغياب عن التريند؟
السؤال الذي يطرحه مراقبون: لماذا لا تتحول هذه الوقائع إلى قضية رأي عام حقيقية؟ البعض يردّ الأمر إلى تشبع الجمهور بالمآسي حتى أصبحت “الأخبار الصادمة” جزءًا من المشهد اليومي. آخرون يرون أن التريند في العراق تحكمه تفاهات الحياة السياسية، وخلافات النجوم، ومشاجرات مواقع التواصل، بينما القضايا الجوهرية تُقصى عمدًا أو تُغرق في صمت منظم.
النتيجة واحدة: ملفات تمس هوية العراق، أمنه، وذاكرته الجماعية، تمرّ بعيدًا عن الوعي الشعبي الواسع. وبينما يُستهلك الفضاء الرقمي في سجالات عابرة، تبقى أسئلة أكبر بلا إجابة: من يضمن ألا تُمحى هذه الجرائم من الذاكرة؟
