بينما كانت ألسنة اللهب تلتهم زوايا “هايبر ماركت” في مدينة الكوت وتحاصر العشرات من المتسوقين، ظهر محافظ واسط، محمد جميل المياحي، في مقطع مصور جالسًا على سطح مبنى مجاور، واضعًا رجلًا على رجل، يتفرج من بعيد على الفاجعة. لم يكن يدري آنذاك أن فيديو قصير يوثق جلسته هذه، سيدفعه إلى تقديم استقالته تحت ضغط الرأي العام ووهج الحريق.
انتشر الفيديو بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي، واعتبره كثيرون تجسيدًا لـ”اللامبالاة الرسمية” في ذروة واحدة من أكثر المآسي إيلامًا هذا العام. سرعان ما خرج الأهالي إلى الشوارع، ونصبت السرادق، وطُرد مسؤولون من مجالس عزاء الضحايا.
في مواجهة هذا الغضب، صادق رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، على نتائج لجنة تحقيق خاصة، خلصت إلى ضرورة إحالة المياحي، بصفته رئيس لجنة الدفاع المدني في المحافظة، إلى التحقيق إلى جانب أعضاء اللجنة، لكشف المسؤوليات ومحاسبة المقصرين.
ورغم أن المياحي رحب بقرار الإحالة، مؤكدًا استعداده للمثول أمام اللجنة، إلا أن ذلك لم يوقف سيل الانتقادات.
قبل ذلك طالب مجلس النواب بإقالته رسميًا، مرفقًا كتابًا موقعًا من أكثر من 50 نائبًا، يعتبر أن بقائه في المنصب “يمثل عبئًا أخلاقيًا وسياسيًا”.
وكان مجلس محافظة واسط قد اتخذ إجراءات سريعة عقب الحريق، شملت سحب يد عدد من المسؤولين، وإحالة آخرين إلى القضاء. كما أعلن أحد أعضاء لجنة التحقيق انسحابه، احتجاجًا على ما سماه “هيمنة كتلة المحافظ” على نتائج التحقيق.
المياحي يدافع عن نفسه بـ”الحلفان”
وفي موازاة الضغوط السياسية، ظهر المياحي في مقابلة متلفزة، مدافعًا عن نفسه، قائلاً إن الفيديو الذي أثار الجدل جرى شراؤه مقابل 500 مليون دينار لاستهدافه سياسيًا، وإن أطرافًا معارضة عرضت عليه الحماية مقابل التصعيد السياسي، لكنه رفض.
وأقسم خلال اللقاء عشرات المرات أنه بريء من أي تقصير.
لكن اللقاء، الذي أراد به المياحي ترميم صورته، لم يمنع السقوط السياسي. ففي اليوم التالي، أعلن رسميًا تقديم استقالته من منصبه إلى مجلس محافظة واسط، واصفًا إياها بأنها “وقفة شرف” و”وفاء لدماء الشهداء”.
وقال في بيان نشره على صفحته الرسمية: “إكرامًا لدماء الشهداء، وكونهم يحتاجون لموقف يضمد جراحهم، أعلن بكل فخر تقديم استقالتي لمجلس محافظة واسط، وقد تم قبولها”.
هكذا، تحولت لقطة عابرة لرجل يجلس واضعًا ساقًا على ساق، إلى اللحظة التي اختُتمت بها مسيرة سياسية امتدت سنوات، وأسقطها الحريق حين التهم الضحايا… وشاهدها الجميع.