في خطوة تعكس عمق الأزمة المالية التي تمر بها البلاد، أقرّ مجلس الوزراء قراراً يسمح لوزارة المالية بسحب أكثر من 3 تريليونات دينار من حساب الأمانات الضريبية، لتغطية رواتب موظفي الدولة خلال الأشهر القادمة.
هذا القرار، الذي جاء بناءً على طلب طارئ من وزيرة المالية خلال جلسة مجلس الوزراء المنعقدة في 15 نيسان 2025، يشير بوضوح إلى تفاقم أزمة السيولة رغم تحقيق البلاد إيرادات نفطية كبيرة، مما يستدعي اللجوء إلى خطة “نور زهير” في استخدام الأمانات الضريبية لتغطية رواتب موظفي الدولة.
قرار حكومي مثير للجدل
ونص القرار الحكومي على “تخويل وزارة المالية صلاحية سحب مبالغ الأمانات الضريبية التي لم يُجرِ عليها خَمس سنوات”، والتي يبلغ مجموعها (3,045,007,500,525) دينار عراقي، على أن يتم استرجاعها لاحقاً خلال السنة المالية أو من خلال التسويات الضريبية.
الخطوة أثارت ردود فعل سياسية واقتصادية واسعة، نشر النائب مصطفى سند، وثيقة لقرار مجلس الوزراء الخاص باستخدام أموال الأمانات الضريبية، قائلاً: “شرح هذا القرار يعني ياخذون أمانات المقاولين والشركات وينطوها راتب الشهر الرابع والخامس، وبعد سنتين المقاولين يداعون الحكومة الجاية وهي تحتار بروحها، هذا نفسه حساب الأمانات الضريبية الي خمطه نور زهير، سبحان الله وهم نفس المبلغ”.
المؤشرات الاقتصادية لا تبشر بخير
رغم أن العراق حقق إيرادات نفطية تجاوزت 30 تريليون دينار خلال الربع الأول من العام، بمعدل سعر بلغ 72 دولاراً للبرميل، إلا أن الحكومة لجأت إلى طرح سندات مالية بقيمة تفوق 7 تريليونات دينار، واستنزفت أكثر من 3 تريليونات دينار من الأمانات الضريبية لتأمين الرواتب، بحسب ما أكده الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي.
المرسومي حذّر من أن هذا الاتجاه يُنذر بمزيد من التدهور المالي، خصوصاً مع الانخفاض المستمر في أسعار النفط التي قد تصل إلى ما دون 60 دولاراً في الأسابيع المقبلة، ما يعمّق الفجوة بين الإيرادات والنفقات التشغيلية.
اتهامات بـ”سرقة مقننة” وتجاهل للأزمة
النائب رائد المالكي وصف القرار بـ”السرقة المقننة”، مشيراً إلى أن الحكومة تعاني من اختناق مالي يدفعها لسحب أموال الشركات المودعة لدى الدولة، وقال: “سحب الأمانات الضريبية سرقة جديدة بطريقة رسمية، وهي تكشف عن الوضع المالي السيء الذي يواجه الدولة”.
وأضاف المالكي: “ما الداعي لإنفاق غير ضروري أو لعقد قمة عربية استعراضية بينما الدولة تُموَّل برواتبها من أموال الغير؟”
الغياب البرلماني يعمّق الأزمة
في ظل غياب الدور الرقابي لمجلس النواب، نتيجة لتعطيل إرادة الأحزاب الحاكمة كما وصفها المالكي، تغيب المحاسبة ويستمر التدهور، لا قرارات إصلاحية تُتخذ، ولا خطة اقتصادية واضحة تلوح في الأفق، سوى حلول مؤقتة تقترب من استنزاف كل الاحتياطيات المتاحة.
وبينما تُستنزف الأمانات ويُطرح الدين الداخلي كحل، يرى مراقبون أن العراق على حافة أزمة مالية شاملة ما لم تُتخذ خطوات جدية لتقليل الاعتماد على النفط، وزيادة الإيرادات غير النفطية، وضبط الإنفاق، وتفعيل أدوات الرقابة والمحاسبة.